وخرج الخبّاز من المخبز العراقي

وخرج الخبّاز من المخبز العراقي

2006-12-10 00:05:51 UAE

وخرج الخبّاز من المخبز العراقي

بقلم :أحمد إبراهيم

««بيكر» وتعني الخبّاز بالانجليزية، ففي حين لم يعد مستر «بيكر» الأميركي يتحمّل البقاء في التنّور خلف جمرات المخبز العراقي، فوصل أمام الكاميرا بتقرير يتضمن (79) توصية أعدته المجموعة المؤلفة من عشرة من السياسيين المخضرمين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

ومستر جيمس بيكر رغم انه لا يمثّل عنصراً حيوياً في خط جورج بوش الابن، لكنه كان مقرباً جداً من عائلة بوش الأب وكان قد لعب دوراً كبيراً في حملته الانتخابية، لكنه أيضاً لا يمثل تيار المحافظين الجدد الذين أيدوا الحرب على العراق.

ورغم كل ذلك يبقى بيكر هو الوجه الأبرز أمام الكاميرا الأميركية الخفية، كما هو الوجه المتعارف عليه لجميع الكاميرات العلنية المتداولة بين شعوب المنطقة، بما لرنّات صوته من أصداء دوت في المنطقة مع أحداثها وأجيالها، حيث يبدو لي أن 90% من جيل اليوم في المنطقة، عاشروا ولامسوا عن قرب أحداث الحروب الخليجية الثلاثة المتلاحقة بدءاً بالحرب العراقية ـ الإيرانية ومروراً بالحرب العراقية ـ الكويتية.. ووصولاً للحرب العراقية الأميركية.

واليوم وبعد ثلاثين عاماً من تلك الطواحين الثلاثة المتلاحقة بالعراق وإيران والمنطقة، وما سبقتها من الطاحونة الإسرائيلية الدائمة، وما استجدت بعدها من الطاحونة الإسرائيلية السورية اللبنانية الجديدة، رغم كل هذه الطواحين الأميركية المنشأ، لم يصرح جورج بوش صباح اليوم بأي جديد عن العراق إلا بعد ما تناول فطوره على مائدة مشتركه مع خبّازه السابق في الشرق الأوسط (مستر بيكر).

هذا فيما يتعلق بأمام الكاميرا، وأمّا ما يدور خلف الكاميرا: فخرج رامسفيلد ودخل مكانه روبرت غيتس، في وزارة الدفاع الأميركية، للإبقاء على ماء الوجه لسياسات بوش فيما تبقى له من أيام في البيت الأبيض، ودون ان يخبر الشعب الأميركي هل ان وزير الدفاع الجديد سيحافظ على مسمى الوزارة لبقية أيام سيده كما هي (وزارة الدفاع)، ام انه سينقل الاسم مرة أخرى إلى مسمّاه اللائق بإدارة سياساته الخارجية تجاه العرب والمسلمين: (وزارة الهجوم) في البقية الباقية لسويعاته قبل ساعة صفر الاستلام والتسليم بين الديمقراطيين والجمهوريين؟

وأغرب ما في هذا التقرير هي الفقرة التي تتعلق بدول محور الشر، لأنه يدعو إلى إجراء محادثات مباشرة مع إيران وسوريا. ويبدو لي تواجد خباز أميركي مخضرم كمستر بيكر على طاولة الفطور المشتركة مع الرئيس الأميركي ما هي إلا محاولة تلبية لحاجة أميركية ماسة وليست لرغبة أميركية، فكيف يسحب بوش نفسه من العراق من جانب ثم يدعو إلى الحوار مع إيران وسوريا من جانب آخر، بعد كل المناورات العلنية عن دول محور الشر (إيران وسوريا) معقل الإرهاب العالمي (العراق وأفغانستان)، ودون إغلاق الملف النووي، وتحويل الملفات الأخرى من الإدانات لدمشق وعلى رأسها اغتيال الحريري.

ورغم كل هذه التناقضات قمّص السيد جورج بوش التقرير بقميصين: القميص الأول بأنه «تقييم قاس» والقميص الثاني بأنه سيتم «التعاطي معه بجدية»، ثم صرح بعد ذلك مباشرة للصحافيين: «لقد قلت لأعضاء اللجنة ان هذه الإدارة ستتعاطى مع هذا التقرير الذي يحمل اسم (الطريق إلى الأمام) بشكل جدي للغاية».

ثم تناول جرعتين من الماء البارد مع بيكر وان كانت علقاتها ساخنة في الحلقوم، وأضاف قائلاً: «ان هذا التقرير يقدم تقييماً قاسياً للغاية للوضع في العراق. انه تقرير يحمل بعض المقترحات المهمة بحق وسنتعاطى مع كل من المقترحات بجدية شديدة» وابتسم للكاميرا غير الخفية!!!

والتقرير كما استمعت له أكثر من مرة ومن أكثر من إذاعة عالمية، بكل بنوده (79) لا يوصي بانسحاب فوري ولا يتضمن جدولاً زمنياً للانسحاب، بل وبالعكس يتضمن التقرير توصية «بزيادة عدد القوات التي تعمل على تدريب القوات العراقية على قتل المزيد ربما»، كما ومن المنتظر أن تقدم لجنتان أخريان إحداهما من البيت الأبيض والثانية من وزارة الدفاع، تقريرين آخرين عن الوضع في العراق لإعطاء الرئيس مجالاً أكبر من الخيارات.

وكان من المزمع أن ترفع خلاصة هذه التقارير إلى الكونغرس صباح الأربعاء يعني مباشرة بعد اعتراف وزير الدفاع الأميركي الجديد المعين روبرت غيتس الذي صرح بأن الولايات المتحدة لا تحقق نصراً في الحرب في العراق، وأنّه ضد شن أي هجوم على إيران إلاّ إذا كان هذا هو «الملاذ الأخير المحتّم»، ولن يدعم أي ضربة أميركية ضد سوريا، وفي انتظار توصيات لجنة بيكر أعربت سوريا أيضاً عن استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة، ولم نسمع إلى الآن صوت طهران الرسمي تجاه التقرير.

أما في العراق فيُقتل العراقيون أكثر من المحتلين، لأن العراقيين توجه لهم بنادق الجنود الأميركان المحتلين وبنادق أخرى خفية كالكاميرات الخفية لن ترى حامليها وان كانت من حاميها حراميها، ولن تُرى بالعين المجردة ولا بالكاميرات العلنية ولكنها تصوب للعراقيين ثم للعراقيين وثم للعراقيين!

وتقول آخر أنباء الخميس 7 ديسمبر انه قتل في العراق عشرة جنود أميركان وذلك يعني ان عدد عناصر القوات الأميركية الذين قتلوا في العراق منذ غزو البلاد عام 2003، قد تجاوز 2900 جندي أميركي، بينما العراق الملاييني الإسلامي العربي الكردي لم يعد ملايينه في الأراضي العراقية، فهناك ما يزيد على المليونين مشردين داخل العراق، لا مأوى لا مأكل ولا مشرب ولا ملبس في العرى يبحثون عن الأمن، وما يقارب المليونين لاجئون في دول الجوار كالأردن وسوريا ولبنان، والفئة المليونية الثالثة في الطريق للتكملة بالجثث والنعوش والقبور.

وكانت مصادر شبكة CNN قد أعلنت أن لجنة دراسة العراق ستقترح بأن على الرئيس بوش مطالبة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تلبية شروط محددة لتحسين الأوضاع الأمنية ميدانياً، وإبلاغه بأن واشنطن ستبدأ تخفيضاً مهماً في عدد قواتها هناك.

ومن جانب آخر كان رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، الجنرال بيتر بايس، قد قال مؤخراً في مقابلة مع شبكة CNN أعتقد أن القضية المهمة المطروحة الآن هي: ما هي الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب؟ وما هي الأمور التي تسير بشكل جيد لتحقيق هذه الأهداف.. وما هي تلك الأمور التي لا تسير بشكل جيد كي يتم تغييرها.

كما قال الجنرال الأميركي ويسلي كلارك القائد السابق لقوات حلف شمالي الأطلسي «الناتو»، ان المعركة التي تقودها الولايات المتحدة ضد ما تسميه بـ «جماعات الإرهاب في العراق»، لن يتم حسمها من خلال المواجهات العسكرية، داعياً في الوقت نفسه إلى تطوير سياسة بلاده تجاه المنطقة، عبر الدفع باتجاه تطوير العملية التفاوضية مع دول الجوار.

وفيما وجه القائد السابق للناتو انتقادات لاذعة لأداء الجيش الأميركي بالعراق، فقد دعا إلى تغير في كامل الإستراتيجية الأميركية تجاه العراق والمنطقة بشكل عام، مؤكداً أن الحرب يجب أن تخاض على مستوى «الأفكار» بالدرجة الأولى، وقال في جملة انتقاداته: «إنهم لا يحسنون العربية، ويتجولون بسياراتهم المصفحة في الطرقات، مثيرين كراهية الناس وخوفهم».

جاءت كل هذه الانتقادات من جانب كلارك ضمن كلمة له، خلال الجلسة العامة للمنتدى الاستراتيجي العربي، والتي عقدت بعنوان «الحرب على الإرهاب: العرب هم من يدفع الثمن»، حيث أعرب فيه القائد العسكري السابق عن اعتقاده أن أي إدارة جديدة في بلاده، ستضع قضية السلام بين العرب والإسرائيليين، على رأس أولوياتها، كحل أساسي في مواجهة الإرهاب.

وقال كلارك في كلمته: «المواجهة مع الإرهاب في العراق، تقتضي من الإدارة الأميركية أن تلعب دور الوسيط في المنطقة، بين إيران وسائر الدول، للسماح بالتوصل إلى حلول وتسويات.» كما دعا المنظمات الأهلية العربية إلى رفع صوتها داخل الإدارة الأميركية، لنقل وجهة نظرها الحقيقية، مختتماً حديثه بالقول: «الفوز لا يكون عبر فوهات البنادق، بل عبر كسب قلوب وعقول الناس».

كل هذه التصريحات والتقارير تدلي بدلوها في اتجاه واحد، ان أميركا أعادت حصصها الدراسية من منهاج قديم اسمه «فيتنام» وفي مدرسة جديدة اسمها (العراق)، ومستنقعين جديدين اسمهما (أفغانستان ولبنان)!

فيا حبذا هل لهذا الجليس الجديد بعد خروج بوش من عبرة، ان يسمّي أسبوعه الأول من جلوسه في البيت الأبيض، (أسبوع الشفاء)، ويتعافى من مرض الغطرسة والغرور والكبرياء والظلم على الشعوب؟

أتمناه أسبوع الشفاء لكل محتل متغطرس بحاجة للعلاج من داء العظمة، فيعالج فيه كل مريض أصابه جنون البقر «كاوبواي» العصري، ويضمد جراحه دون ان يحمّل الآخرين ثمن جراحه.

لو خرجت أميركا من المنطقة دون ان تترك فيها الفتيل والقاذورات بين دول الجوار وأبناء الجوار، سيعيد أبناء المنطقة للمنطقة روح المحبة والأسرة والتعاطف، وسوف يجيء يوم بإذن الله يستطيع فيه ابن المنطقة ان يكاتف أخاه العربي وجاره المسلم ليتجنبا الشر ويحالفهما الخير، لأن دنيا الإسلام والعرب بخير لولا التدخلات.

تعليقات 1

عبدالهادي - السعودية
صدقت( روح المحبة والأسرة والتعاطف)
حاولت مراراً أن أصبح كالشعراء كي أكتب لك أجمل قصيدة من أجل أن تصبح معلقة شهيرة وحاولت مراراً أن أصبح كالرسامين كي أرسم لوحة جميلة كي تصبح لوحة شهيرة فأدركت أن هذه الاشياء باتت قديمة عندها قررت أن أجعل لك من عيني بحيرة صغيرة كي تسبح فيها كالأمير تسبح فيها كطيور البجع المثيرة ومن حولك كل طيور العشيرة تنظر إليك نظرة مثيرة فأصبحت كالبدر بين النجوم البعيدة ...
   0 0
أظهر المزيد