هل دخل بوش حقيبة ميركل الدبلوماسية؟

هل دخل بوش حقيبة ميركل الدبلوماسية؟

 

02:01 2007-10-24

 
 

هل دخل بوش حقيبة ميركل الدبلوماسية؟

أحمد إبراهيم

   

 

إذا كانت الإجابة نعم، فشكراً للمستشارة الألمانية ميركل على سرعة جرعتها، وهنيئاً لها على سعة حقيبتها الدبلوماسية لاستيعابها رياح الحرب العالمية الثالثة، التي نفخ فيها بوش، فالحقيبة اليوم ألمانية الصنع  رائدة الصناعات الأوروبية  وألمانيا بصفتها دولة كبرى من الدول الصناعية الغنية، وعظمتها ليست بدباباتها وبلدوزراتها في العراق وأفغانستان، وإنما في كونها على رأس قائمة الدول الصناعية الكبرى بصناعاتها واقتصادها وتجاراتها، فالشعب الألماني هادئ ينجذب إلى العمل والسلام، لهذا عمد إلى تحطيم جدار برلين ليعيد الوحدة إلى وطنه بعد طول انقسام.

 

في مزرعته الخاصة بولاية تكساس استقبل الرئيس الأمريكي جورج بوش، وهو في حل عن “ربطة عنقه” وطليقاً عن بروتوكولات البيت الأبيض، المستشارة الألمانية ميركل وزوجها، واصطحبهما في جولة قصيرة داخل المزرعة قبل تناول طعام عشاء ودي أكد على وديته بوش بنفسه وهو يقول: “في تكساس عندما تدعو شخصاً إلى منزلك فإن ذلك يعبر عن الدفء والاحترام وهذه مشاعري تجاه المستشارة ميركل”، فردت عليه ميركل بالفور: “اقتنعت من أول نظرة أن هذا المكان رائع فعلاً”.

 

بهذا التعليق السريع أكدت ميركل للعالم أن المزرعة التكساسية استوعبت حقيبتها الدبلوماسية ومستشاريها ومرافقيها، حيث جرى نقاش موسع شمل معظم الأزمات التي يواجهها العالم، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني والأوضاع في العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان وبورما ومفاوضات الدوحة التجارية بالإضافة إلى مسألة إقليم كوسوفو والتوتر الراهن في ميانمار والتغير المناخي، أو ما يعبر عنه بالاحتباس الحراري، ومستقبل العلاقات الاقتصادية الألمانية مع إيران وهي الشريكة التجارية الأولى لها، لكن ماذا عن الخلافات الألمانية  الأمريكية إثر رفض برلين توسيع دور القوات الألمانية في أفغانستان، وهل ستتحرك ميركل في المستقبل القريب في المنطقة من دون إذن من بوش أو من دون علم منه على الأقل، وهل أن رؤية بوش الأمريكية متوافقة مع رؤية ميركل كما توافقت مع فرنسا ساركوزي؟ أسئلة تطرح على الساحات المعنية، أجاب عنها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جوردن غوندور قائلاً: “استراتيجياً، نحن على الموجة نفسها، وتكتيكياً هناك بعض الخلافات البسيطة”، لكن ميركل استطاعت على ما يبدو أن تحد من جموح بوش تجاه إيران بعد سلسلة التهديدات التي وجهها لطهران مؤخراً، حيث أعلنت المستشارة الألمانية أنها ترفض الحرب والخيار الوحيد يجب أن يكون للدبلوماسية.

 

ويأتي هذا الاستقبال الحافل لميركل بعد استقبال آخر كان قد سبقه الأسبوع الماضي بنفس الحفاوة لساركوزي الذي رتب له الرئيس الأمريكي زيارة مماثلة في ماونت فيرنون، وفي منزل أول رئيس أمريكي (جورج واشنطن)، ليعطي بهذين الاستقبالين إشارة واضحة إلى تحول في العلاقة بين واشنطن وكل من برلين وباريس، لعلها كفارة ألمانية فرنسية عن ذنوب لم يتقبلها أسلافهما، حيث كان المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر قد رفض الحرب ضد العراق، كما كان قد رفض الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك كل العنتريات التي قام بها بوش في مطلع القرن الواحد والعشرين عام 2003 في أفغانستان والعراق.

 

البعض يلومونني لأنني أكتب كثيراً عن بوش وأمريكا، ولأنني أفتقد إلى الدبلوماسية أحياناً، لكن ما يقوم به الرئيس الأمريكي إزاء العرب والعالم، والسياسات التي يتبعها تستحق أن يكتب عنه كل أسبوع وكل يوم وكل ساعة وطوال الفترة المتبقية له في البيت الأبيض.

 

لم أفهم كما غيري وعده ووعيده لإيران وهو يهدد بحرب عالمية ثالثة، ثم لم أفهمه في غزله تجاه إيران وهو يفرج عن الإيرانيين المعتقلين لدى قواته في العراق ووعده بإطلاق سراح المزيد منهم، ولم أفهمه في اتهامه لإيران بقتل الجنود الأمريكيين في العراق، ثم جلوس سفيره في بغداد مع موفدين إيرانيين أكثر من مرة، ولم أفهمه وهو يدعو لمؤتمر يفرش الأراضي العربية بزهور السلام، ثم يقوم بتزويد “إسرائيل” ما يحرق تلك الزهور بالنابالم والقنابل العنقودية.

 

ورغم ذلك فإن المستشارة الألمانية ميركل تستحق باقة ورد إزاء مواقفها في حضرة سيد البيت الأبيض، وهي مواقف واضحة ومفهومة رافضة لأي حرب أمريكية ضد إيران، مؤكدة أن الحلول يجب أن تكون من خلال الطرق الدبلوماسية للملف الإيراني، ولكل القضايا العالقة الفلسطينية واللبنانية والسودانية والباكستانية والأفغانية وغيرها.

 

وعلى المقلب الآخر، فإن ما شهده قطاع غزة قبل أيام لا دخل لبوش به، فالرصاص الذي أدى إلى عشرات القتلى والجرحى هو رصاص فلسطيني استهدف فلسطينيين مدنيين وذلك خلال مراسم لإحياء ذكرى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

 

ما جرى في غزة يستدعي وقفة ضمير من جانب كل الأطراف الفلسطينية التي تنحر القضية وتتآمر عليها، وتنفذ تماماً ما تريده “إسرائيل” وتسعى إليه.

إنها مؤامرة أن يصوب الفلسطيني رصاصه إلى شقيقه الفلسطيني فيما العدو يواصل اعتداءاته واقتحاماته ومجازره اليومية.

 

إن قابيل يقتل هابيل، كما كان ولازال يفعل العراقي المسلم بأخيه المسلم، وأخشى أن يتسع هذا الفعل الشنيع ليصل إلى بلاد الأرز إن لم يتفق اللبنانيون على شعار واحد يوحدهم “كلنا للبنان ولبنان لنا”.

 

* كاتب إماراتي

ui@eim.ae

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات