مولود "أنابولس" الخديج

مولود "أنابولس" الخديج

 

02:01 2007-11-21

 
 

مولود "أنابولس" الخديج

أحمد إبراهيم

   

 

السلام على لقاء السلام وجنينه الذي سيتمخض عنه في أنابولس، فمخاضه قد ينتهي بمولود خديج أو مشوه، رغم أن الحالتين مقبولتان، حيث ثبت طبياً أن الإنسان يمكن أن يعيش بكلية واحدة حياة طبيعية إلى جوار من أعطاه كليته ليتقاسما الحياة معاً من دون مضاعفات تذكر.

 

العرب يذهبون الى أنابولس سعياً للسلام، وقد قدموا من أجله كل شيء، ولم يتركوا باباً إلا وطرقوه، بل قدموا التنازلات الكثيرة للوصول اليه كهدف استراتيجي، فماذا كانت النتيجة غير البحث عن سراب، فيما “اسرائيل” ترفض وتكابر وتصر على أن تعيش بالحرب وللحرب ولا شيء آخر.

 

إن حال العرب مع “اسرائيل”، كحال المريض الذي أخذ كلية من جاره، وعندما شفي وخرج من المستشفى طلب من جاره كليته الثانية، إذ لم تكفه كلية واحدة بل أراد الكليتين.

 

كل الطبول في كل الساحات العربية دقت من أجل السلام كهدف لا حيدة عنه، وعشية اجتماع انابولس أعلن في الفاتيكان ان البابا بليندكيت يعتزم الرد بالإيجاب وبسرعة على نداء وجهه علماء مسلمون من أجل حوار لا سابق له بين المسيحية والإسلام، حيث لم تكن الكنيسة الكاثوليكية التي تمثل أكثر من نصف المسيحيين في العالم، قد ردت بشكل رسمي على نداء وجهه علماء مسلمون الشهر الماضي، لكن الكنيسة وقبيل اجتماع انابولس بليلة واحدة رحبت بالحوار والتقارب السلمي الذي كان قد دعا اليه العلماء المسلمون.

 

وعندما دعا الرئيس الأمريكي جورج بوش الى اجتماع انابولس للوصول الى سلام بين الفلسطينيين و”إسرائيل” تبادر الى الذهن سؤال، كيف يدعو الى السلام ويسعى الى تحقيقه من قرع طبول الحرب في كل مكان في ظل شعارات تدمير أسلحة الدمار الشامل، وتحقيق الديمقراطية التي ثبت أنها شعارات كاذبة استخدمت لتحقيق أهداف أخرى، تماماً كما يقرع طبول الحرب الآن ضد إيران بحجة سعيها لامتلاك أسلحة نووية. ومع ذلك فإن الرئيس بوش يعلن قبل انعقاد اجتماع انابولس بساعات قائلا “أنا ملتزم شخصيا بحل النزاع “الاسرائيلي” - الفلسطيني”، وأضاف “ما زلت ألتزم بتطبيق نظرتي لوجود دولتين ديمقراطيتين، “اسرائيل” وفلسطين، تعيشان جنبا الى جنب بسلام”.

 

فكيف لنا أن نصدق هذا الكلام حين يصدر عن رئيس لم يمارس إلا الحرب والدمار؟

دعنا نتفاءل من زاوية الحضور العربي القوي وممثلين لأكثر من 16 دولة، بما فيها الجانب السوري، برئاسة نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، بعد أن فهمت دمشق اثر تلقيها إشارات مختلفة بإمكانية مناقشة قضية مرتفعات الجولان المحتلة من دون تأكيد إدراجها في الصياغة النهائية للوثيقة المشتركة التي قد تصدر عن الاجتماع، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضا تصريحات عمرو موسى بأن المشاركة العربية في هذا الاجتماع لم تكن تعني التطبيع مع “اسرائيل”، وإن أي قرار سيتبناه الاجتماع سيكون في إطار المبادرة العربية.

 

نحن متفائلون بالسلام كما كنا دائما، نعتمد على الفطرة التي فطرنا الله عليها، لأن الإنسان بفطرته لم يكن يوما من دعاة الحروب، أو عدواً للسلام، ولأن أدوات السلام والتعايش السلمي بين أبناء المنطقة كانت متوافرة أكثر من أدوات الحروب التي يتم استيرادها من الخارج، فإن الأمر تغير منذ تم زرع “اسرائيل” في قلب المنطقة ككيان توسعي غاصب، حيث تزايدت أدوات الحرب والعدوان من دبابات وطائرات وقنابل، بدأت تستخدم للقتل وتدمير البيوت فوق رؤوس قاطنيها، وغابت عن ثغر الطفل المسلم العربي الذي رضع السلام من حليب أمه ترنيمة السلام التي كانت تتردد صباح مساء: اللهم منك السلام وإليك السلام.

 

المنطقة كانت تصنع الرجال بأدوات السلام، وطلائع جيوشنا كانت عبارة عن طلائع الفكر والشعر والأدب والفنون، في كل المناطق التي جاستها خيولهم فبرز الشعراء والفنانون والرسامون والمفكرون والأطباء وغيرهم، ممن صنعوا تاريخ المنطقة وحولوها الى واحة السلام. إن أصوات المنطقة التي كانت تدوي في الجبال والوديان والخيم والشواطئ والبراري كانت أصوات الفرح وأهازيج المرح الممزوجة بألحان الفنانين وترانيم الشعراء وكلمات الأدباء تتلى على دوي موسيقا السلام، والقاهرة وبيروت كان يلجأ إليهما كل الأحرار الذين يبحثون عن السلام، ومهما كان اللاجئ غريباً على المنطقة، إلا أنه كان يشعر وكأنه دخل جنة السلام.

 

صالوناتنا الأدبية كان يحج اليها الرحالة والأدباء والمستشرقون من شتى أرجاء المعمورة، ومن علماء الهند والفرس والرومان، والزوار التواقون من كل مكان، كانوا يجدون لدينا فسحة للعقل والعلم فكان للفارابي وابن سينا وغيرهما قصب السبق، وكان يحتشد بالأمس على أبواب الخيم العربية أكثر مما يحتشد اليوم على أبواب هوليوود، لأن العلاقات بين شعوب المنطقة كانت أقوى مما هي عليه الآن، وان ابن المنطقة كان قد حطم الحدود التي أقامها المستعمرون ليسافر بناقته وجمله الى أخيه في الدين والعروبة أينما يوجد وحيثما يوجد الماء والكلأ.

 

ما أفسد هذه المسيرة المتآزرة والانطلاق المتلاحم هو اعتمادنا على السلام المستورد المشروط بالاحتلال، وموافقتنا على ان نعطي المحتل كليتين بدل كلية واحدة، وقد نعيد السلام الذي افتقدناه عندما نراهن على الجواد العربي الأصيل، وليس على الجياد المستعارة من واشنطن أو غيرها.

 

* كاتب إماراتي

ui@eim.ae

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات