لبنان ورصاصة الغدر ومحطّات توليد الدماء

لبنان ورصاصة الغدر ومحطّات توليد الدماء

2006-11-26 00:18:23 UAE

لبنان ورصاصة الغدر ومحطّات توليد الدماء

بقلم :أحمد إبراهيم

وكالعادة، بيروت تسرق دائما الأضواء من الخارج وتوزع الظلام في الداخل.!ورغم أن بيروت هي عاصمة الأضواء والأنوار للعالم العربي: فما من كتاب في المكتبات العربية وإلا وخلف الغلاف (طبع في بيروت)، لكنها غيرت العبارة لتُقرأ هذه الأيام: (قتل في بيروت وقتل في بيروت).

فبيروت الأمس كما كانت تشتهر بطاقة العلوم وأضواء الأفكار، كذلك بيروت اليوم تعاني من نقص الطاقة ما يعني كثرة انقطاع الكهرباء وكثرة الظلام وقلة الأضواء، أو كثرة أضواء القنابل والمتفجرات، ورصاصة الغدر هذه المرة بيروتية لبنانية، إذ لم تأت (أرضاً) عبر ريموت كنترول عن بعد أو بسيارات مفخخة عن قرب، ولم تأت (جواً) عبر فضائيات الصواريخ والقنابل، ولا حتى عبر بوارج ساعر الإسرائيلية (بحراً)، وإنما انطلقت هذه المرة من بين صفوف المشاة مخترقة كل حواجز الأمن والحراسة بدقة متناهية.

وبعد أن خرقت جسم القتيل بأربع وعشرين طلقة نارية، خرج مطلقوها من بين الصفوف بأسلحتهم أيضاً بدقة متناهية وعادوا إلى قواعدهم سالمين غانمين، فليس من الإنصاف أن نعبر القارات والأقاليم للبحث عمن أطلقها في واشنطن أو نيويورك مثلا، ولا داعي حتى أن نبحث عنه في الإقليم خارج الحدود اللبنانية لنشير باصبع الاتهام إلى سوريا مرة أو إسرائيل ألف مرة، دون أن نتفرّس في وجوه ابتسمت الصفراء (مرسومةً) أو دون أن نستمع لألسن ترتّلت الاتهامات (منسوبةً).

هذا الاغتيال والخامس من نوعه في أقل من 20 شهرا، منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق الشهيد رفيق الحريري في فبراير 2005، ثم في يونيو 2005 الصحافي المناهض لسوريا سمير قصير، وبعده مباشرة الزعيم الشيوعي السابق جورج حاوي في يونيو 2005، وفي ديسمبر 2005 النائب المناهض لسوريا جبران تويني، وأخيرا انضم للطابور هذا الأسبوع وزير الصناعة الجميل في نوفمبر 2006.!

لماذا لا نقول ان وراء هذا المسلسل يقف هناك مخرج بارع ومخضرم يجيد حمل السلاح والكاميرا معا، فعلى كتفه الأيمن بندقيته وفوهتها للداخل وعلى الأيسر كاميرته وعدستها للخارج، وكلما انتهى المخرج بفيلم جديد، يتم عرضه مباشرة على بوابة طرق تؤدي كلها لروما، تلك الروما التي تكرر دائما: (نعم، انها أيادٍ خارجية) وكأنها بكلمتي «الخارجية الدخيلة» تتستر على «الداخلية الخفية المستفيدة»، فيا ترى من هو المستفيد.؟

لتعرف القاتل بمسرح الجريمة، عليك دائما ان تعرف من المستفيد أولا.؟

سيقول واحد ان المستفيد هو من رفع «كارت» تحدي الشوارع قبل القتل بيومين، والعقل يقول عكس ذلك، إلا اذا كان هذا المستفيد يتصرف على درجة من الغباء المكشوف يجلب لنفسه التهمة في ضوء الشمس قبل أضواء القنابل.

وسيقول الثاني ان المستفيد هم أعضاء الميليشيات المسلحة الذين كانوا يتحكمون بلبنان منذ تسلسل الجميّلين، بدءا ببشير الجميّل أولا، ثم بأمين الجميّل ثانيا و بيار الجميّل أخيرا. وسيقول ثالث إن المستفيد هو الفلسطينيون الذين طالب الجميّل الأول بإخراجهم من لبنان في السبعينات، فعاد أحفاد الفلسطينيين للانتقام من أحفاد الجميّلين.!

وسيقول الرابع ان المستفيد هي سوريا، لان العلاقات السورية اللبنانية مع الكتائب بعد ان كانت سمنا وعسلا انقلبت حنظلا وبصلا عندما انضمت أصوات الكتائب الى اصوات المطالبين بخروج الجيش السوري من لبنان واعتباره جيش احتلال.

وسيقول خامس ان المستفيد هم نفس أعضاء 14 آذار الذين بدؤوا يخافون الجيل الجديد بما يجري في عروقهم من دماء التخطيط بحيطة محلية وحذر دولي، خاصة بعد ما عرف عن بيار الجميل انه كان يخطط لإرسال عائلته خارج لبنان.!

فصاروا يخافون منه ان يصبح ديكتاتورا يعتمد على الموكب الوزاري الرسمي في ضوء النهار وعلى الميليشيات المسلحة في جنح الظلام ليحكم بحزب واحد ويبتعد عن مسرح منوعات الطوائف اللبنانية، ويتجه تدريجيا لأوروبا وأميركا ويقبض برقبة لبنان بسواعد حزب واحد وبمنطق حاكم واحد ولكن بسلاح منوع ومستورد.

ويقول السادس إن إسرائيل هي المستفيدة الأولى، لأنها سوف تستغل هذا الاغتيال لتؤخر اعمار لبنان وإعادة تسليح حزب الله وتقوية الجيش اللبناني كما تسعى لعرقلة اليونيفيل في الجنوب بدعوى ان لبنان الحرب الأهلية لا مجال للبناء والتعمير والإصلاح فيها.

وانها مازالت على بركة جمر قابل للانفجار في كل لحظه وبالتالي إسرائيل مهددة ومهددة من بيروت لبوابة فاطمة اولا ومن دمشق لطهران ثانياً، ويقول سابع لماذا لا تكون فعلا دولة أجنبية هي التي أرسلت الرصاصة، فما أكثر تلك الدول الأجنبية التي لها مصلحة مستقرة في عدم استقرار لبنان، وتسعى في استمرارية الصراعات العربية العربية وعلى رأسها اللبنانية اللبنانية كما هي وفي كعبها العراقية العراقية.

وقد يقول ثامن إن المستفيد هو من كانت مسودته جاهزة لمؤتمر صحافي بُعيد الاغتيال مباشرة ليوحي بان هدف الاغتيال هو إفشال الحكومة من خلال تقليل الأغلبية في الحكومة والبرلمان، وأنه يتوقع المزيد من الاغتيالات لتحقيق هذا الهدف (وكأنه على علم مسبق ولديه قائمة المغتالين بالاسم والزمان والمكان.!).

ويقول تاسع إن المستفيد مرة أخرى هو صاحبنا الرئيس الأميركي جورج بوش لأنه دعا على الفور لإجراء تحقيق شامل في الهجوم، وكرر ترنيمته عن الشرق الأوسط الجديد، منددا بالمحاولات الآثمة لزعزعة واستقرار ذلك الجديد في لبنان، وصور للعرب مرة أخرى ذلك الخوف الموهوم من ذلك الشبح المعدوم بأن البيت الأبيض في دفاع عن الديمقراطية بوجه محاولات إيران وسوريا لزرع العنف في لبنان. وكما وسُمع بجواره بنفس الوقت صوت نيكولاس بيرنز (وكيل وزارة خارجيته) وهو يردد كالببغاء ما كان يردده مولاه بان البيت الأبيض في حرب مع (الإرهاب.!).

وما توقيت مثل هذا لاغتيال في مثل هذه الأيام، الاّ قنابل موقوتة على كل الأبواب الطائفية اللبنانية، ونتيجتها الأتوماتيكية أن يتحول لبنان الى بحر من الدم، وان تشب الحرب الأهلية، وتبدأ سلسلة الاغتيالات وترتفع صيحة الانتقام من كل معسكر ولن يخرج مما تأسست من الأحزاب إلا الخراب وما سُعيت من الاعمار إلا الدمار.

مؤلم ما نرى هذا التوقيت البيروتي لرصاصة الغدر في الصدور ولبنان كل لبنان تفتقر الكهرباء في المطابخ وشمعات الإنارة في المعابد، ومحطات توليد الطاقة في المزارع، فوا أسفا على هذا التزامن بهذا التوقيت الناري الدماري بتوقيت إنتاجي اعماري قد يكون العرب آخر من يفكرون فيه على وجه الأرض، إذ تقول الأنباء ان في الساعة التي سمعت فيها صوت رصاصة الغدر في بيروت، سمع هناك في قصر الاليزية بباريس صوتا آخر يختلف كل الاختلاف عن أصوات البنادق والخناجر، انه كان صوت الأقلام والأفكار، حيث توصل أكثر من ثلاثين دولة على اتفاق لبناء مفاعل نووي اختباري يعد الأكثر تطورا في العالم بهدف تطوير مصدر رخيص للطاقة.

ويؤمل ان يوفر المشروع الذي أطلق عليه اسم «إيتر» أو الطريق باللغة اللاتينية كميات وفيرة من الطاقة النقية باستخدام الشمس والبحر، ويعتمد على تفاعل نووي ذري يجعله مختلفا عن التفاعلات المستخدمة حتى الآن.

وجاء الاتفاق على المشروع الذي سيُنجز في فرنسا بعد شهور من المفاوضات الصعبة بين كوريا الجنوبية وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند واليابان، ومكان إقامة المفاعل كان سبب الخلاف، حيث كانت كل من فرنسا واليابان مصرّتين على إيوائه لديها.

ويهدف المشروع الجديد الانتقال من تكنولوجيا الانشطار النووي لتوليد الطاقة إلى تكنولوجيا الاندماج النووي، بتحويل مياه البحر الى وقود عن طريق محاكاة الأسلوب الذي تنتج به الشمس الطاقة، ويقال ان الطاقة التي ينتجها ستكون أقل تلويثا للبيئة، وقد تم توقيع الاتفاق أمس في قصر الاليزية بباريس في نفس توقيت رصاصة بيروت، بعد نحو 17 شهرا من اتفاق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية على المشروع الذي سيقام في جنوب فرنسا باستثمارات قدرها 10 مليارات يورو (8 ,12 مليار دولار).

وبما ان لبنان الإضاءات يسكنها الظلام هذه الأيام، بشدة النقص في الكهرباء وشدة الحاجة لمحطات توليد الطاقة، وبما ان تقنية الطاقة (الأميركية الأوروبية الآسيوية) الجديدة والباريسية الموقع، مادتها الأولية هي الشمس والبحر، وبما أن لبنان لا يوجد فيها البحر ولا تشرق فيها الشمس، فما على مطلقي الرصاص في بيروت ان يفجروا ما تبقى من البنى التحتية والمحطات، ليحصلوا على المزيد من الدعم والمعونات البترودولارية، لينوروا بها لبنان باستيراد الكهرباء الجديدة من محطتها الجديدة التي ستقام بجنوب فرنسا.

ولا ندري هل ستوافق باريس على قبض سعرها بالليرة اللبنانية أو تشارط استبدالها بالفرنك الفرنسي في السوق السوداء وبجنح الظلام لتخفى العملات عن وجوه العمولات والبقاشيش.

تعليقات 1

عبدالهادي - السعودية
ماذا أكتب لك ؟!
ماذا أكتب لك ياذات الوقار عن موعد للانتظار في آخر محطة للقطار يكون فيها صمتي أقوى انتصار أعيش بعدها بافتخار أم أكتب لك يابهجة الزهور عن شيء لم يكن مجرد قرار بل كان من صنع الاقدار لم أستطع منه الفرار أصبحت فيه كالبّحار أبحث في عالم الاشعار عن كلمات أقوى من النار .
   0 0
أظهر المزيد