لبنان بين الرئاسة والآهات

لبنان بين الرئاسة والآهات

 

02:01 2007-12-06 

 
 

لبنان بين الرئاسة والآهات

أحمد إبراهيم

   

 

عندما نتألم جرحاً نقول “آه” وعندما نغرق عشقاً نقول “آه”، وأيضاً عندما نتضوّر جوعاً نقول “آه”، كما نقول “آه” عندما نفرط تخمة وشبعاً. وكلها آهات تأتي من الشفاه نفسها، لكنها تأتي بنبرات وإيقاعات مختلفة ومن مواقع مختلفة. فموقع آهات العاشق قلبه الذي يمتلئ هياماً ويغوص غراماً، والجائع تتموّج آهاته من بطنه الذي يتضور جوعاً وفقراً، والشبعان تفوح آهاته بشحنات شحوم التخمة الممزوجة برائحة الثراء الفاحش، لكن سنة الحياة تجمع كل هذه “الآهات” على جادة واحدة اسمها الدنيا.

 

وعندما أردت الكتابة عن لبنان هذه المرة شعرت بأن قلبي وقلمي نطقا معاً: “آه من عروسة العواصم العربية (بيروت) بلا معرس، وآه من لبنان العروبة والحضارة بلا رئيس منذ شهر تقريباً!”، حيث كانت قد أرجئت وللمرة السابعة جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية إلى أمس (الثلاثاء)، بعد أن عقد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (الجمعة) بحضور وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي كان يزور لبنان في مقر البرلمان وفي “ساحة النجمة” وسط العاصمة بيروت، سلسلة لقاءات ومشاورات أبرزها مع رئيس كتلة نواب “المستقبل” النائب سعد الحريري.

 

كما اجتمع بري مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) محمد رعد ومع عدد من نواب الموالاة والمعارضة، ومع نواب كتلة التغيير والإصلاح التي يتزعمها ميشال عون، جاءت كلها في إطار التشاور والسعي للتوافق. ويعتقد المراقبون أن عون يسعى على ما يبدو لتأمين اتفاق يضمن تمثيلاً أكبر للمسيحيين في الحكومة، بينما كانت مصادر لبنانية قد توقعت تأجيلات إلى ما لا نهاية، منذ تأجيلها الأول في السادس من سبتمبر/ أيلول، مشيرة إلى أن التأجيل قد يمتد حتى أوائل العام المقبل، بهدف إتاحة الفرصة لمزيد من جهود التسوية وتذليل العقبات التي تعترض “الاستحقاق الرئاسي”. إنها تأويلات متناقضة تشاع بين اللبنانيين لمصلحة أعداء لبنان الذين كانوا ومازالوا يسعون لتأجيلات لا متناهية وآهات غير متوافقة بحيث تبقى آهات التصويت لاختيار رئيس جديد تدوي إلى “أجل غير مسمى”.

 

وآهات الثلاثاء اللبنانية الانتخابية التي انعقدت للمرة الثامنة هي من الآهات الغريبة غير المسبوقة في قاموس الانتخابات، حيث الزعماء المتنافسون رغم إجماعهم على توافق الآراء الأسبوع الماضي لاختيار قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً للبنان، إلا أن منصب الرئاسة ظل شاغراً منذ انتهاء فترة ولاية الرئيس اميل لحود يوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني. والرئيس المنتظر ميشال سليمان (59 عاماً) الذي تولى قيادة الجيش منذ تولي اميل لحود الرئاسة كانت له علاقات طيبة مع سوريا، كما أن علاقته وطيدة مع المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله، مما قد يخفف انتخابه أسوأ أزمة يمر بها لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و،1990 حيث ينبغي أن يكون الرئيس اللبناني مارونياً ورئيس النواب شيعياً ورئيس الوزراء سنياً بموجب النظام الطائفي لتقاسم السلطة.

هذا الوفاق السلمي والتوافق اللاطائفي رغم هذه التشكيلة الطائفية بلبنان، يدعونا نحن العرب للوفاق بين تلك الأمة التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم رغم فرقها الاثنتين والسبعين بأمة واحدة، بل ونسبها لنفسه واصفاً إياها ب (أمّتي)، وتحقيق الوفاق اللبناني ليس إلا ضربة على رؤوس أعداء الأمتين العربية والإسلامية، الذين كانوا ومازالوا يزرعون الشقاق على دروب الوفاق بين الأمتين، وآخر تلك الآهات المضحكة التي أريد لها أن تزرع الشوك بين الأشقاء العرب والمسلمين هو ما أعلنه وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس في المنامة من أن “إسرائيل” لا تشكل خطراً على العرب وإنما إيران هي الخطر! ودافع عن برنامج “إسرائيل” النووي بزعمه أن الدولة اليهودية لا تسعى لتدمير جيرانها أو دعم الإرهاب على العكس من إيران، وبسؤاله خلال مؤتمر حوار المنامة هل تعتقد أن برنامج “إسرائيل” النووي يشكل خطراً على المنطقة؟ رد جيتس “لا.. لا.. لا أعتقد ذلك”.

 

طبعاً قوبل رد جيتس هذه المرة بالضحك من جانب الحضور في غرفة غصت بمسؤولين حكوميين من دول الشرق الأوسط، ف “إسرائيل” صاحبة الترسانة النووية الوحيدة في المنطقة. وإذا كنا آخر من يعلم عنها فإن واشنطن أول من يعلم بها وبمدى خطورتها. ورفض جيتس الاعتراف بأن الولايات المتحدة تكيل بمكيالين في القضية النووية بتأييدها “إسرائيل” النووية، بينما تدعو إيران إلى التخلي عن أنشطة تؤكد وكالة الطاقة أنها سلمية، ما أثار غضب “إسرائيل” وواشنطن معاً من مديرها العام محمد البرادعي.

 

وقبل ذلك ومنذ عام تقريباً كان جيتس قد أغضب “الإسرائيليين” خلال شهادته أمام الكونجرس الأمريكي عندما أضاف “إسرائيل” إلى قائمة الدول النووية في المنطقة المحيطة بإيران ولم يكن جيتس قد ناقش الموضوع علناً منذ ذلك الوقت، لكن “إسرائيل” تعترف رسمياً بامتلاك مفاعلين نووين وصفتهما بأنهما منشأتان بحثيتان، وترفض قبول أي تفتيش دولي عليهما بما يتعارض تماماً مع كل الاتفاقات والمعاهدات الدولية الخاصة بالنشاطات النووية. ألا يؤكد ذلك التناقض في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة؟

 

إن لبنان الذي لا يملك مفاعلاً نووياً إنما يملك كوادر بشرية وطبيعة جميلة يستحق الأمن والاستقرار والسلام من دون تدخلات أجنبية وخصوصاً أمريكية.

 

تجولت في مناطق لبنان من جنوبه إلى شماله، وكنت أقول للشباب والشابات الذين ألتقيهم إن بلادكم جميلة وأهلها طيبون، والمطلوب منكم أن تغسلوا الوجوه المغبرة، لأن كفة الأخيار فيكم هي الراجحة، وأن الغالبية اللبنانية تعشق السلام والأمن. عاشرت المسيحيين فلم أر أطيب منهم وعاشرت المسلمين فلم أجد أكرم منهم، ولا يجوز أن نحكم على شعب بأسره من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه بما يتردد عنه من قضايا لها علاقة بالفساد واستغلال النفوذ.

 

ابتساماتي للوجوه اللبنانية الباسمة.. وتهنئتي للرئيس اللبناني الجديد الذي لا بد من انتخابه إن شاء الله تعالى.

 

* كاتب إماراتي

ui@eim.ae 

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات