كوسوفو وهلال الاستقلال ...

كوسوفو وهلال الاستقلال ...

  2008-04-18     
 

كوسوفو وهلال الاستقلال ...

أحمد إبراهيم

   


“لن تحكمنا بلجراد بعد اليوم”، قالها رئيس الوزراء هاشم ثاتشي في تمام الساعة الثالثة وثلاث وأربعين دقيقة بعد ظهر يوم الأحد بالتوقيت المحلي لإقليم كوسوفو.

فأين تقع كوسوفو؟ وهل نصدق من يقول إنه لا يعرف كوسوفو أو من يقول إنه زارها ولم يرها، أو بحث عنها في الخرائط ولم يجدها؟

 

من منا لم يسمع عن كوسوفو ودوامتها منذ عقود بين هلالي الاحتلال والاستقلال، ولم ير آخر صراعاتها المريرة التي استمرت عشرة أعوام بضحايا تجاوز عددهم عشرة آلاف من الرجال والنساء والعجزة والأطفال؟ في بلد ريفي لم ينج من مخالب العمالقة وراجمات المنجنيق للدول الكبرى كأمريكا وألمانيا وإيطاليا، التي ظلت تتناوب على ضغط عنقها بسياط المنظمات الدولية بموجب تفويض من مجلس الأمن.. فظل هذا الإقليم الفقير الصغير هو الآخر معلقاً في منتصف الطريق بين التبعية للصرب تاريخياً، والطموح الخجول للخروج من عنق الزجاجة نحو الاستقلال قومياً وعقائدياً.

 

انشغالنا بالقريب أشغلنا عن البعيد، وإن لم نبتعد، فأوتار العروبة من بغداد الحريق إلى أوزار القدس في فلسطين، القضية، أشغلتنا عن التفكير والقراءة والكتابة بدفق عن معاناة إخوة لنا في الدين والعقيدة والإيمان، لم نبتعد عنهم وإن بعدت بيننا المسافات: من كابول إلى دارفور وكوسوفو وإلى غيرها من العواصم الإسلامية.

 

فمن سمع عن الصرب والبوسنة والهرسك، سمع أيضاً عن “كوسوفو”، ذلك الإقليم المكافح الجريح الذي ظل يحيط بمقدونيا من الجنوب الشرقي وصربيا من الشمال الشرقي والجبل الأسود من الشمال الغربي وألبانيا من الجنوب، ليصل إلى أراضي صربيا والجبل الأسود حيث يتمتع بالحكم الذاتي باسم “كوسوفو” وعاصمتها “برشتينا” واسمها القديم “قوصوه”، والتي كانت، ولا تزال محط خلاف سياسي بين صربيا وألبانيا بسبب كثرة سكانها الألبان المطالبين باستقلالها.

 

هذا جغرافياً، وأما تاريخياً وقومياً وعقائدياً، فمن منا لم يسمع ويقرأ عن مساحة لا تتجاوز 577،10 كم2 سكانها لا يتجاوزون المليونين من الألبان، وتتجاوز نسبة المسلمين فيها 93%، وهم السكان الشرعيون للمنطقة أباً عن جد؟ حيث كانت كوسوفو بالأمس تحت إمرة الامبراطورية الإسلامية كشقيقتها فلسطين، ثم أعطيت للصرب عقب هزيمة الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى ضمن أجزاء كثيرة أستقطعت من جسمها للحيلولة دون قيام دولة إسلامية في أوروبا، تماماً كشقيقتها فلسطين اليوم حيث لا تزال يستقطعها المنشار الاستيطاني “الإسرائيلي” شبراً شبراً للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية لأبنائها الفلسطينيين الشرعيين أباً عن جد.

ورغم وجود الرئيس الأمريكي جورج بوش اليوم خارج البيت الأبيض، إذ إنه يتجول في القارة السمراء بعيداً عن اللون الأشقر الأمريكي الأوروبي، إلا أن البيت الأبيض سبق المسلمين والعرب في تهنئة كوسوفو بإعلان استقلالها، رغم الاعتراضات الروسية والصربية الرافضة لهذا الاستقلال، فكوسوفو أصبحت إلى جانب قضية نشر الدرع الصاروخية الأمريكية في شرقي أوروبا، موطئ قدم أمريكي آخر قد يضيق أو يزيد الفجوة بين موسكو وواشنطن ودول أوروبا الغربية، خاصة ألمانيا وإيطاليا باعتبار أنهما من أكبر المساهمين في التمويل مع كل بلدان الاتحاد الأوروبي، إلى جانب عدد من الدول غير الأعضاء في الاتحاد مثل تركيا والولايات المتحدة.

 

كوسوفو كانت بين العامين 1989 و2008 تعبر سلسلة من القادة، تيتو ثم ميلوسيفيتش وصولاً إلى الإسلامي الأكاديمي السابق في جامعة برشتينا إبراهيم روجوفا الذي صوت له كل الألبان عام ،1991 ثم إلى رئيس وزرائها الحالي هاشم ثاتشي، حيث أعلن استقلالها من جانب واحد، أو هكذا روج الإعلام الغربي، فيا ترى ماذا تحمل كلمات “من جانب واحد” من مغزى لمستقبل كوسوفو الموعود المجهول؟

 

فقد خشي بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة العنف، وحض على السلام في منطقة البلقان، ونحن كمسلمين وعرب نضم صوتنا للأمين العام ونحض على خنق جنين العنف في مهده.

 

الحرية والاستقلال هدفان عزيزان، تبذل الشعوب في سبيلهما الغالي والرخيص لأن بديلهما العبودية والاستعمار. وقد قدم شعب كوسوفو خيرة شبابه على مذبح الحرية من أجل الوصول إليها والتمتع بها، لذا على أبطال الاستقلال في كوسوفو أن يتبنوا الثورة البيضاء بعد الاستقلال من دون أن يسمحوا لقطرة دم أن تهرق والحفاظ عليها لضخها في شرايين الوطن من أجل البناء والتعمير.

 

هنيئاً لكوسوفو عيد الحرية والاستقلال، لكن على قادتها أن يحافظوا على هذا الاستقلال، وذلك بأن يضعوا أنفسهم في خدمة شعبهم لتحقيق ما يصبو إليه، لأن مرحلة ما بعد الاستقلال تقتضي تفانياً وعملاً دؤوباً وتضحية تفوق التضحية من أجل الحصول على الاستقلال بحد ذاته.

 

* كاتب إماراتي

ui@eim.ae

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات