عيد و«طماشة» مع خالتي «قماشة»

عيد و«طماشة» مع خالتي «قماشة»

2006-10-22 00:06:17 UAE

 عيد و«طماشة» مع خالتي «قماشة»

بقلم :أحمد إبراهيم

ما يعود علينا العيد فهو (العيد)، ومقبول سواء عاد بالسعادة أو بالتعاسة أو حتى بالطفاسة طالما كان مشوبا بما يهدأ الأعصاب من: طماشات.. فياترى ما هي الطماشة؟

لو التقى بنا سيبويه في سوق الذهب وسألنا أين سوق السمك؟ وأجبناه سيدا يا مستر سيبويه قد يعود الرجل ويسألنا محتارا: ماذا تعني كلمة سيدا؟

واذا واجهنا سؤاله بسؤالنا ماذا تعني طماشة قد يعود الرجل لقبره عاجزا مستسلما معترفا بأن قاموسه يخلو من مفرادت طماشة وبذلك فهو لا يستحق الجنسية العربية حيا، الا اذا زوجناه بخالتي قماشة العربية الاصل نسلا ونسبا وتاريخا لكنها متنوعة اللغات واللهجات والعادات والحضارات.

فلندع القهقرى السيبيويه المسكين إذن الى حوار الحضارات لكنه حوار من نوع آخر هذه المرة، حوار بين الاحياء والاموات، ودون أن نمهله العودة لقبره بتلك العجاله قبل ان يحسم نزاع القوم عن طماشة وقماشه، ونقول له مثلا: معلّمي سيبويه تمهّل، سيدي سيبويه لا تزعل، فان الشعوب عندما تتداخل بالاجسام تتداخل ايضا بالأقلام، نعم أجسام الثقافات وأقلام، اللهجات والكلمات..

والتداخل باللهجات والكلمات مهما كلفنا يبقى ارحم من تداخل الركلات واللكمات، فكما ان كلمة دوغري التركية الدخيلة تعني الخط المستقيم في بلاد الشام، كذلك كلمة سيدا تعني المستقيم عندنا في كل من سوق الذهب وسوق السمك.

وطماشة ايضا كلمة دخيلة وتعني الفرجة أو التفرّج في بعض الأحوال، ولكن لاتعني الانفراج باي حال من الاحوال، إذ يهلً علينا العيد هذا العام بطماشات ودون أدنى مؤشرات عن الانفراج المأمول في الساحات العربية والمرجو من القيادات العربية، خاصة وطاشة الساحة انتقلت لـ كمّاشة الكبار التي قد تتحكم في الاتجاهين ببائين: (باء) بيونغ يانغ الكوري الشمالي و(باء) بان كي - مون الكوري الجنوبي.

(باء) تدعو للسلام من البرج العاجي أو من داخل قاعات الأمم المتحدة بنيويورك، و(باء) تدعو للدمار من تحت أنفاق بيونغ يانغ، وكلتاهما قد تحولان الساحة لطماشة الثيران على الحلبة والفئران في الميدان، أو قد تتجهان لاتجاهين معاكسين يدعوان بان كي ـ مون للسلام في وادي، ولا يصل صوته لأنفاق وخنادق بيونغ يانغ في الجانب الآخر من الوادي.

وكي لا يحصل خلط للقارئ في (البائين) نوضح هنا ان (باء) بان كي ـ مون هو لرجل بينما (باء) بيونغ يانغ هي لمنطقة، فالاول هو الكوري الجنوبي البالغ من العمر 62 عاما، والذي سيستلم مايكرفونه شهر يناير القادم، وهو بذلك يكون الأمين العام الثامن للمنظمة، وثاني آسيوي يحتل الهرم، بعد يوثان البرمي (ماينمار) الذي سبقه كأول آسيوي أمينا عاما للأمم المتحدة، ما بين عام 1961 وحتى عام 1971.

ويوصف (بان كي ـ مون) أيضا بالدبلوماسي الخبير والمحنك، وأنه ليس له أعداء، قد تقدم على منافسيه الستة للمنصب، في عمليات التصويت غير الرسمية التي أجراها مجلس الأمن، إن لم يكن متعمدا استبعاد العربي الأردني كثاني أمين عام عربي بعد بطرس غالي المصري.

و(بان كي) تسجّل له مهاراته في المفاوضات وإدارة الأزمات. كما وصفوه الصحافيون الذين التقوه في أول مؤتمره بالسمكة الزلقة عندما تجنب بل ورفض الإدلاء بأي تصريح عن معتقده الديني، رغم أنه مسيحي ينتمي إلى الكنيسة الموحدة، التي لا تنتمي إلى أي مذهب من مذاهب الديانة المسيحية المعروفة.

ومن حقنا ان نشكره على هذه النعرة الإنسانية البحتة واللاطائفيه واللاعنصرية. وياحبذا لو اكتسب وعّاظنا ومشايخنا وخطباء مساجدنا دروسا وعبرا من (بان كي) ويشطبون كل التصريحات الطائفية المؤدية للعنف الطائفي ويدعون الى المساجد الموحدة للموحدين من أهل القبلة، مثل ما يدعو بان كي للكنيسة الموحدة.

بينما (باء) بيونغ يانغ هي عاصمة جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ومركز السياسة والاقتصاد والثقافة ذات التاريخ الممتد الى اكثر من 5000 سنة منذ اقامة كوريا على ايدى دانكون، الجد الاول وتحديد بيونغ يانغ عاصمة لها.

وبيونغ يانغ مدينة محاطة بالحديقة وهى تسمى بأجمل الأراضي في العالم، بوجود تلة موران، بستان العاصمة نظرا لتغطيتها بشتى أنواع الأزهار الربيعية في ربوة موران المدعوة بجنينة العاصمة، وجمال مياه نهر دايدونغ.

المنظر العام في مدينة بيونغ يانغ تتحكم فيه مجموعة شوراع رئيسية: شارع تشانغكوانغ، شارع كوانغبوك، شارع تونغئيل، شارع مونسو/ شارع تشليما، شارع يونغكوانغ وشارع آنشانغتايك.

لكن حديقة ما تسمى بأجمل الاراضي في العالم لم تعد هادئه بعد يوم: 11-10-2006، فبمجرد ان بدأ الأفريقي الأسمر السابق يجمع اوراقه للرحيل بعد عشر سنوات عجاف في مقر الأمم المتحده، وبدأ الآسيوي الأصفر اللاحق يستعد دخول نفس المقر لعشر سنين بلا وعود، اتخذت كوريا الشمالية بنفس الوقت أولى وأكبر تجاربها النووية رغم التهديدات الأميركية .

والمجموعة الدولية، إذ بعد أربع سنوات المد والجزر بين واشنطن وبيونغ يانغ دخلت الاخيرة أخيرا النادي المنبوذ أميركيا، وكان الرئيس بوش بعد وصوله الحكم، تظاهر للكونغرس ترّفعه عن مسرح سلفه (كلينتون ومونيكا)، فسار يحطم كل ما بنته إدارة كلنتون من علاقات وتفاهمات مع بيونغ يانغ لأهداف غير واضحة.

لكن توقيت إعلان بيونغ يانغ الكوري الشمالي النووي مع تغيير الامم المتحدة أمينها الكوري الجنوبي اليوم هل يغير داخل مقر الأمم المتحدة شيئا سوى سكرتاريته واستبدال لون اسبقه الأسمر بالأصفر الحالي؟ خاصة اذا بقيت أميركا تقبض على عنق الاسرة الدولية وظلت المنظمة غطاء أو قناعاً للسياسة الأميركية.

فلا سياسة في هذا المقر غير السياسة الأميركية، ولأن 25 دولة أوروبية لا تزال تشكل حتى الآن عربات لقطار تقوده أميركا، ولا يُرى تمردا أو انفصالا أو انزلاقا بين عربات القطار بل وتسابق ولاء بريطاني ـ ألماني وطيس لأميركا في نفس القطار.

وفرنسا أيضا علقت استقلاليتها منذ ان عوقبت في العراق ولا تريد مواجهة اخرى، وبرغم الوهن الأميركي في الشرق الأوسط. فهي قد خسرت العراق وخسرت سوريا بسبب موقفها في لبنان فبالتالي خسرت غريمتها بيروت بالتبعية، ناهيك عما خسرت قبل ذلك في جيبوتي والصومال وافغانستان وبوسنة وشيشان وروسيا البيضاء وجمهوريات أتحاد السوفييتية السابقة (قرغزيا، كازخستان، طاجكستان، اوزبكستان، تركمانستان وأذربيجان)، واما ايطاليا فهي مثل السينما الايطالية، اي اميركية حتى اشعار آخر.

لذلك لا جديد في نيويورك مع الكوري الا اذا تغيرت هيكلية الامم المتحدة وليس أمينها العام، صحيح ان العالم أصبح ملكا للأغنياء، لكن الاغنياء الجدد اصبح أيضا لهم عالمهم الخاص، فالهند مثلا تصنّعت عالمها بعدما اكتشفت انها بمليارها من البشر خارج مجلس الامن، بينما دخلت فرنسا وبريطانيا وروسيا، بأقل من نصف مليار.

وفي الخيمة ذاتها التي نتجت عن الحرب العالمية الثانية وسمّيت اخيرا بالأمم المتحدة، لم تكن مساحة لصين ماو (قبل الستينات) ولا لليابان المهزومة مقعدا، كما لم يكن للاتحاد السوفييتي دور سوى توظيف رجال المخابرات في المبنى. ولا وجود لافريقيا. ولا كلمة لآسيا، ولا مكانة طبعا لممثل العالم الإسلامي الملياري.

وعندما اعطيت هذه المرة راية الأمم المتحدة لسيول الجنوبي، فكانت صفارة الشمالي موقوتة إذ أطلقت بيونغ يانغ في الهواء مفرقعاتها النووية قبل ان يعالج الجنوبي ربطة عنقه، ومنذ تلك اللحظة تغير وجه العالم تماماً.

ولم تتغير سطوة المسز اولبرايت على مجلس الأمن. أو سلطة المس رايس. ولم يعدل الميثاق. ولم يأخذ احد في الاعتبار ان شيئاً فضفاضاً وغامضاً يدعى العولمة هو الذي يحكم العالم، اقتصاداً وسياسة وابحاثاً وعلوماً ومعادن ومواهب وعقولا.

وعلى طبول دنيا الأغنياء يصل زبال سابق الى رئاسة البرازيل وتتحول البرازيل الى قوة اقتصادية كبرى ولكنها تبقى هي الآخيرة ايضا وسائر القارة الجنوبية معها خارج تلك الخيمة، ولذلك تظل الأمم المتحدة مؤسسة بيروقراطية تصرف الاعمال، من عام الى عام ومن عقد الى عقد، وسوف يبقى كل شيء كما هو الى ان يأتي وقت ننتخب فيه أمما متحدة جديدة لا اميناً عاماً جديدا.!

وبيونغ يانغ المغضوب عليها رغم تهديد الأطراف الثلاثة واشنطن وطوكيو وسيول بعواقب وخيمة إذا ما أجرت تجربتها الصاروخية، وتهديد وزيرة الخارجية الأميركية بإعادة النظر في البيان الختامي لجولة المباحثات السداسية الأخيرة.

ورغم تمرير البرلمان الياباني قانونا جديدا يمنح الحكومة اليابانية صلاحيات فرض عقوبات اقتصادية، ورغم ان الصين من جانبها أعربت عن قلقها وطالبتها بالإحجام عن إجراء تجربتها، ورغم إعلان الرئيس الكوري الجنوبي السابق كيم داي جونغ تأجيل زيارته المزمعة إلى بيونغ يانغ.. رغم كل ذلك أعلنت كوريا الشمالية سرا وكشفت أميركا سرها علنا ان بيونغ يانغ في الطريق لتجربتها الثانية قريبا بعد الأولى توا.

ولكننا في مثل هذا اليوم المتوارث بعاداته وتقاليده من العيد السعيد، حريصون على قلمنا ان يمشي هادئا وفي حدود المفاهيم الشعبية التي بدأنا بها المقال فلنبقى مع طماشات خالتي قماشة ومع كل تلك الشعبيات المتوارثة منها أو الدخيلة.

حيث أن فيما مضى كان الاحتفال برمضان في الإمارات يبدأ عادة من ليلة النصف من شعبان، وهو ما يطلق عليه الاحتفال بليلة «حق الله»، مناسبة تختلف الشعوب الإسلامية في توقيتها، فمنهم من يحتفل بها في منتصف شعبان، ومنهم من يحتفي بها في ليلة النصف من رمضان يطالب فيها اطفالنا حق الليلة كما يتبادل فيها كبارنا مبروك عليكم النص.

ويطلق على هذه المناسبة العديد من التسميات فهي «حق الله» و«القرقاعون» و«القرنقعوه» و«الكركيعان» و«النافلة» و«الكريكشون» و«حل وعاد»، حيث قضت العادة في الإمارات بأن يتجمع الأطفال بعد صلاة المغرب بملابسهم التقليدية، فالبنات بالملابس المزركشة والصبيان بالكنادير والقحافي المطرزة بخيوط الذهب.

وعلى رقابهم أكياس من القماش تسمى الخريطة، يمشون جماعات على البيوت، وتبدأ بالأهازيج لحث أهل البيت على منحهم المكسرات والحلويات وبعض النقود المعدنية فينشدون: (أعطونا الله يعطيكم..بيت مكة يوديكم..أعطونا مال الله.. سلم لكم عبد الله)، وليعودوا البيوت بحصّالاتهم ومحاصيلها يعرضونها على المتفرجين والمتفرجات وعلى رأسهم خالتي قماشة وهي تحاسبهم: من حصل كم.؟ ومن صرف كم.؟ ومن احتفظ بكم.؟ وتضيف بأعلى صوتها: لا تنسون فانا خالتي قماشة اعطونا حساباتكم مثل ما اعطيتكم حصّالاتكم.

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات