عيد الفطر بين الابتسامات العربية وانقساماتها

عيد الفطر بين الابتسامات العربية وانقساماتها

 

02:01 2007-08-29

 
 

عيد الفطر بين الابتسامات العربية وانقساماتها

أحمد إبراهيم

   

 

العيد يعني “العودة”، والعودة بقوة للتجديد ان لم يأت العيد بجديد، لأن لذة العيد بجديده، غير أني وجدت جديد العيد غير لذيذ هذه المرة طالما آخر الأنباء عندنا هي نفسها. فمن آخر بسمة في بيروت وأول رسمة لبغداد، واسطوانة الأنباء تتكرر برتابة، حيث ما إن ارتسمت على وجوه اللبنانيين قبيل العيد ابتسامات تبشر بلملمة الأوضاع تحت راية الأرز، وكادت تدق طبول أفراح عرس جماعي لبناني وشيك، وكأنها هدية العيد من عاصمة أعياد العرب (بيروت) إلى كل العواصم العربية، إلا وناقوس الخطر بتقسيم العراق يدق في واشنطن لنسمع الأصداء تتردد في كل دنيا العرب.

 

فما الجديد في هذا العيد، الذي نراه كبقية أعيادنا الأسيرة بين الابتسامات العربية وانقساماتها؟ فهناك غضب الطبيعة يتراءى في مسلسل الحرائق في جبال لبنان وفي براكين إحدى جزر اليمن، لكن المدن العربية مع ذلك لم تتراجع قيد أنملة عن خطط ارتداء أجمل حلل العيد السعيد، فهي تتزين بالأضواء والألوان لتبدو في أبهى صورها .. لكن، كان، ولا يزال يداهمنا ذلك الصوت المألوف من كل حدب وصوب بسؤاله الجهوري: “ما الجديد هذا العام للعرب”؟

 

وكما يفرح الطفل العربي بجديد العيد بما يرتديه على جسمه من ثياب وإزار، وبما بين أصابعه من نقود معدنية وورقية، كذلك فرحت العواصم العربية ولبست أحلى الحلل. لكن الهدية الكبرى هي تلك التي قدمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والمتمثلة بمبادرته إلى أطفال العالم، وخصوصاً دول العالم الثالث، لإنقاذهم من الجهل والأمية، وفتح أبواب العلم والمعرفة أمامهم.

 

إن هذه المبادرة الكريمة تتجاوز الجغرافيا والحدود الإقليمية، لتصل إلى ما وراء البحار، وتقدم شمعة العطاء، وتضيء حياة مئات آلاف الأطفال، وتؤكد أن التعليم حق للجميع، وبذلك وصل إشعاعها إلى مجاهل إفريقيا المحرومة من الماء والكلأ، ناهيك عن القرطاس والقلم.

 

فبشرى لكل طفل ينسب لآدم وحواء بغض النظر عن عرقه ولونه وهويته ومذهبه، بشرى له على ما اجتهدته فرق العطاء في شهر العطاء، فأصاب من هو بعيد المنال خارج الوطن لينال حصته من أسهم ليست بأقل ممن هو داخل الوطن، فعيدية أسهم العطاء للجميع بالشكل والمضمون (نعم، نعم، التعليم مجاناً للجميع).

 

لم يعد أمام شمس اليوم أكثر من غيبتين لتشرق علينا بهلال العيد، فلنبارك الجميع بعيد فطر قد يحمل في طياته ما هو جديد على الساحتين العربية والإسلامية، حيث لم يكن يحمل الشهر المبارك بأيامه ولياليه هذا العام كسوابقه جديداً لكل من الشعبين الفلسطيني والعراقي، إذ عاشا نفس اللحظات الصعبة، تحت كابوس الاحتلال وما ترتب عليه من تواصل الاجتياحات والتوغلات والانفجارات في معظم المدن والقرى الفلسطينية والعراقية، وبنفس الأعداد من الشهداء والجرحى والأسرى، ناهيك عما قام به الأمريكيون في العراق في إطار مهمة حاميها حراميها من خلال مرتزقة “بلاك ووتر”، وهذا ما كنا نقصده من سؤالنا: (ما الجديد في هذا العيد؟).

 

فلسطين والعراق، البقعتان الباكيتان من الوطن العربي، اللتان مازالتا تعانيان من غياب مظاهر الفرحة والاحتفال أكثر من مجرد ممارسة طقوس وشعائر دينية، ناهيك عن وجوه تتبخر عنها البسمة العابرة وهي تعانق المعيدين، بينما الغليان يكوي ضلوعهم.

 

ولأن العبء ثقيل، فلابد أن نتحمله جماعياً، ومن هنا فالمطلوب أن تتكثف المعايدات العربية للفلسطينيين والعراقيين يوم العيد بمزيد من الدعم والمؤازرة، حتى وإن كانت القيود مكثفة والحواجز مشددة حول القدس والمدن الفلسطينية الأخرى، والسيارات المفخخة لا تغيب يوماً واحداً عن بغداد. لكن.. لكن بطاقات المعايدات يجب أن تتواصل ولو عبر حمام السلام، كي تفشل كل خطط العابثين والمارقين ضد المسلمين والعرب.

 

إن عيد الفلسطينيين والعراقيين هو عيد الأمتين العربية والإسلامية جمعاء، فلا مجال للادعاء الفارغ من المضمون، أو الاستعراض بالشكليات والمجاملات الاجتماعية، فالمضامين تبقى أعمق من الشكليات، والضرورات أثبت من الصدف، والزمان دائماً هو مفتاح المكان، وينوب عنهما المسلمون والعرب من كافة الأقطار في انتقاء الكلمات التي ترفع المعنويات وتظهر قوة الارادة وتزدري الهزيمة، لأن مجرد الجلوس، ولو غيابياً بمشاعرنا إلى جوار تلك البيوت المنكوبة والعائلات المنبوذة، والحديث مع أفرادها بالخيال من خلف الجدار قد يعطيانها المزيد من الصمود والإرادة والأمل.

 

العيد في فلسطين والعراق يمثل حالة الصراع بين الزمان والمكان، بين الهزيمة والانتصار، بين المستقبل والحاضر، بين الحق والباطل، بين ما أراده الله وما تريده حفنة من البشر، والعيد في هاتين البقعتين صورة متكاملة يتماهى فيها الشعور بالقهر مع ضرورة الانتصار، وهو دليل آخر على أن قوة السلاح ليست في الطائرات والدبابات فقط، وانما أيضاً في دموع الفقراء وشموع الأرامل والأيتام.. وفي التمسك بالأمل والإرادة.


* كاتب إماراتي

ui@eim.ae

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات