عن قناة "بي بي سي" بالعربية

عن قناة "بي بي سي" بالعربية

 

 2008-02-20

 
 

عن قناة "بي بي سي" بالعربية

أحمد إبراهيم

   

 

لا للمزيد من الأفلام وأحبار الأقلام وفلاشات الكاميرات على آخر طواحين الساحتين اللبنانية والفلسطينية، خصوصاً لهجات الوعد والوعيد اللبنانية  اللبنانية المخزية، جنباً إلى جنب، التهديدات “الإسرائيلية”  للفلسطينيين و”الإسرائيلية”  اللبنانيين من آخر صيحات أولمرت الذي أعلن أخيراً انه يعتبر “هنية” طعمة مشروعة لبنادقه المصوبة نحو غزة، كما هي كانت مشرعة التصويب دائما نحو رؤوس الفلسطينين منذ احتلال القدس ورؤوس اللبنانيين منذ احتلال الجنوب. لا أرى حاجة لاستنزاف المزيد من الحبر واستهلاك المزيد من القرطاس عن هذين البيتين، فلنتركهما لربهما على أن للبيت رباً يحميه.

 

أحببت أن ابدأ مقالي صباح اليوم بكلمتي “مبروك” و “مرحباً” ل”بي بي سي” لندن على مولودة لها أنجبت تواً في الوطن العربي، فقد ولدت صباح أمس الثلاثاء 11 مارس/ آذار، بي بي سي (تلفزيونياً) بعدما كانت قد ولدت “بي بي سي” (إذاعياً) قبل ان يولد كاتب هذا المقال بثلاثين سنة تقريباً، عندما كان قد بدأت إذاعة لندن عام ،1938 ببث أول لغة أجنبية لها من هيئة الإذاعة باللغة العربية، وكان التحالف وقتها بين الفاشيين والنازيين على أشده، والبلاط الملكي البريطاني كان يومذاك قلقاً على هيمنة لرقعات لاتغيب عنها الشمس لن تطول، وان الاستعمار البريطاني قد لايصمد طويلا امام رؤوس المقاومة بطريقة (غاندي) في القارة الآسيوية كما لم يصمد العنف الايطالي والفرنسي في وجوه المقاومين بطريقة (عمر مختار) في القارة الإفريقية.

 

قررت بريطانيا العجوز التحول التدريجي من العنف إلى المرونة ومن الغزو العسكري إلى الغزو الثقافي، خاصة أنها كانت تشعر بقلق شديد من إذاعات منافسة بدأت تبث من ايطاليا بعد غزوها للحبشة برامج مؤيدة لألمانيا وفرنسا باللغة العربية، وخشية أن تسبقها فرنسا وألمانيا بسرقة أضواء المنطقة بفلاشات الثقافة والشعر والأدب عادت بريطانيا للمنطقة هذه المرة من دون عصا غليظة، وإنما بلوحات (المعهد الثقافي البريطاني) تنصب في الأراضي العربية، وبذبذبات (هنا لندن) تبثّ في فضاءاتها وبصدى هو الأقوى اليوم حتى في الصومال ودارفور والعراق.

 

وكما قلت إن “بي بي سي” رفعت أول صوت لها باللغة العربية صباح يوم الثالث من شهر يناير/ كانون الثاني لعام ،1938 أي قبل أن يولد معظم أبناء جيل اليوم بثلاثين سنة، وتسببت أولى نشراتها الإخبارية في بث الرعب والخوف للمستمع حيث كان الخبر الثالث في النشرة آنذاك يقول: “تم شنق عربي آخر من فلسطين بناء على أمر محكمة عسكرية بريطانية”. حيث كان قد تم القبض على رجل من فلسطين بتهمة حيازته بندقية وذخائر، فأصيب الرأي العام العربي بصدمة على باكورة أخبارها وعلى إيقاع كلمات مثل “شنق، وبندقية، وأسلحة” وغيرها. فانتقد السفير البريطاني آنذاك اختيار الاذاعة البريطانية كلمة (الإعدام) التي وقعت وقوع الصاعقة على المستعمين فأصمتتهم وهم مجتمعون، وفرقتهم وهم لاينطقون.

مرحبا للقناة التلفزيونية الجديدة ل”بي.بي.سي” التي أحبّت اللغة العربية حضارة وثقافة، وأحبت خارطتها وطناً وموطناً، فوجهت كاميراتها وعدساتها نحونا على غرار الكثير من الفضائيات الأجنبية الموجهة نحو الناطقين بالضاد، فمنها ما أنجبت بالفعل في الساحات على سبيل المثال: قناة “الحرة” الأمريكية منذ عام ،2003 تلتها قناة “روسيا اليوم” و قناة “فرنسا 24”، ومنها لا يزال في المخاض وغرفة الولادة كمشروع إعادة بث “يورو نيوز” بالعربية، المفترض الاعلان عن ولادتها خلال هذا العام. ولأكون منصفاً مع ضميري و”بي بي سي”، أقولها من دون تردد، اني كلما استعمت لهذه الاذاعة من بيتي أو سيارتي أو مكتبي، أشعر وكأن هناك فتاة تبتسم للكون في كل مكان، وإن كانت تلك الفتاة تحتضر، برصاص الاحتلال بخناجر الارهابيين في العراق، أو برصاص الصهاينة في فلسطين. أو حتى بخنجر الغدر داخل المعمورة العربية، لكن ما لم تفعله تلك الفضائيات (ولن تفعله طبعاً)، أنها لن توقف تلك الرصاصات والخناجر، وتظل تفتخر بأنها نقلت حية تلك الرصاصات التي أمطرت على فتى كمحمد الدرة من دون أن تقيه.. ومن حقها أن تقول في الدفاع: (ان العدسات الحساسة للفلاش والكاميرا، ولم أكن يوما الدروع الواقية للرصاص)، وكلامها صحيح.

 

مرحبا بإطلاق القناة التلفزيونية ل”بي بي سي” التي تبث محتواها مبدئياً على مدار 12 ساعة، وكان تصريحاً منسوباً لمسؤول يقول : “تشير الدراسات التي أجريناها مؤخراً في 7 عواصم عربية، إلى أن 80-90 في المائة ممن شملتهم استطلاعاتنا سيرحبون بخدمة تلفزيونية عربية ل”بي بي سي”. وتقديمنا لهذه الخدمة تلبية لاحتياج شديد في المنطقة لخدمة إخبارية توفر تحليلات شاملة دقيقة مستقلة وموثوق بها، بالإضافة إلى ندوات يشارك فيها جمهور المتحدثين بالعربية”. واضاف المصدر ان “بي بي سي” أصبحت الهيئة الإعلامية الوحيدة التي تقدم الأخبار وتعالج الأحداث الجارية باللغة العربية عبر الوسائط الثلاث: (التلفزيون والإذاعة والإنترنت).

 

ونحن بدورنا كمواطنين عرب نطالب الجامعة العربية ان تحذو حذوها وتنشأ قناة عربية موحدة تبث بمعظم اللغات العالمية الحية تدعو العالم نحو العرب لعل العدل يسود وطنناً أكثر فأكثر، وكل سنة والقوانين تحمينا أكثر فأكثر، وكل سنة ولا عربي يستبده عربي آخر ولايقهره طاغية آخر، ولا يسحق حقوقه، ولا يسلب له المزيد من الأرض مقابل الدماء، ولا بطاقة تمنعه من التنقل من بقعة إلى بقعة وهو يحلم بمتعة المساواة بين سعادته كمواطن عربي وسيادة وطنه الكبير، لأن الاقطار العربية لن تستمتع بالسعادة العربية منفردة إلا بسعادة المجموع، فمرحباً بقناة عربية قد تولد لتوحدنا.

* كاتب إماراتي

ui@eim.ae

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات