عن المؤتمر الخليجي الأول للنقل ...

عن المؤتمر الخليجي الأول للنقل ...

 

02:01 2008-01-09     

 
 

عن المؤتمر الخليجي الأول للنقل ...

أحمد إبراهيم

   

 

يُعقد اليوم الأربعاء بدبي الحضارة والرقي والسبّاقة دائماً بسباق الزمن، المؤتمر الخليجي الأول للنقل، والأول من نوعه في تاريخ المنطقة، والذي تنظمه “جمعية هندسة الطرق الخليجية” بمشاركة واسعة من الخبراء والمختصين بهندسة الطرق والنقل والمرور في دول مجلس التعاون الخليجي العربي على مدى يومي 23 و24 من شهر يناير/ كانون الثاني الحالي.

 

الإنسان هذا المخلوق الطموح الذي اشتهر بهلعه وجنونه بالأسفار كان قد وضع مفردات (النقل) في رأس قائمة طموحاته منذ يومه الأول، حيث بحث آدم أول ما بحث عن الانتقال من الجنة إلى الدنيا، أو التنقل بين النباتات والحيوانات إلى وجوده كإنسان، لأنه فضّل، ولايزال يفضّل، الحركة على الجمود، فيتنقل بين الأقاليم والقارات، فابتدع ولايزال يبتدع أساليب النقل وأدوات التنقل، كي يتجنب ازدحام الطرق الضيقة التي تؤدي للموت والخناق في هذه الدنيا الواسعة، ورغم ذلك فإن هابيل وقابيل زاحما بعضهما على سكة ضيقة أدت إلى الموت في هذه الدنيا الرحبة التي كانت تدعو للانطلاق.

 

يبدو أن هذا الإنسان قرر أن يغير وسيلة نقله بعدم استخدامه ظهر أخيه الإنسان للتنقل بين الأماكن، إلى ابتداعه وسائل بديلة بدءاً بالعجلات الخشبية التي كانت تساعد عضلات سواعده وتقطع أنفاسه، ثم الدراجات الهوائية التي تديرها سيقانه بمساعدة الهواء، ثم البالونات التي كانت تنقله بين الوديان والجبال أيضاً بمساعدة الهواء، ثم الدراجات البخارية، ثم السفن، فالقطارات، والسيارات، ثم الطائرات والمركبات الفضائية التي أوصلته إلى الكواكب.

 

والهدف الرئيسي لهذا المؤتمر هو تطوير وتحديث نظم النقل في المنطقة لدعم مسيرة التنمية الاقتصادية التي تشهدها دول مجلس التعاون، وسيتناول المؤتمر النقل كأحد متطلبات التنمية من خلال مناقشة أهم المستجدات العلمية والتقنية في هذا المجال، وعرض تجارب دول مجلس التعاون في مجال حلول النقل داخل المدن وعلى المستوى الوطني، إضافة إلى محاور حيوية أخرى. ومن البديهي أن المشاركين والمتحدثين في المؤتمر سيقدمون أفضل الحلول والتجارب في هذا المجال. ويذكر أن اللجنة المنظمة تنظم أيضاً معرضاً مصاحباً للمؤتمر لعرض أبرز ما حققه التقدم العلمي والتقني في مجال هندسة الطرق والنقل والمرور، وتشارك في فعالياته مجموعة من الشركات الرائدة محلياً ودولياً وبعض الجهات الحكومية المعنية بقطاع النقل والطرق والمرور في دول مجلس التعاون.

 

إذن .. كلما وجدنا أنفسنا في عمق زمن التحديات ازدادت رقعة الطموحات، فنحن نطمح، إضافة إلى السوق الخليجية المشتركة، إلى الشبكة الخليجية الموحدة للطاقة والكهرباء، وإلى جانب اطلاق العملة الخليجية الموحدة المرجوة نطمح أيضاً إلى القطار الخليجي الموحد، حيث لا المال ينقصنا ولا مصادر الطاقة لمثل هذا القطار الذي يوجد مثله في دول كثيرة، بإمكانات أقل منا بكثير، والسوق الأوروبية المشتركة خير الشواهد، حيث إن هذه الدول لا تجمعها الأواصر المشتركة من الحضارات والثقافات والديانات والعادات والتقاليد والثروات النفطية والمناخ والطبيعية كدول الخليج، ورغم ذلك فهناك محطات مشتركة وقطار مشترك، ومترو مشترك إلى جانب العملة المشتركة (يورو) قبل دول الخليج.

 

فإذا كانت أوروبا تسمح للسائح بأن يتنقل بين ثلوج وجبال في أقصى الشرق إلى ساحل الأطلسي في أقصى غربها بتذكرة واحدة وتأشيرة واحدة، فما المانع مثلاً أمام الحشد المليوني من الحجاج والمعتمرين السنويين والفصليين أن يتنقلوا بين الرياض ودبي كما يتنقلون بين مكة والمدينة بتأشيرة واحدة، فتعود أفواج الحجاج بعد أداء مناسكهم إلى بلدانهم من بوابة مهرجان التسوق بدبي أو هلا فبراير في الكويت أو عبر البوابة الخضراء للجبل الأخضر بسلطنة عمان أو جمهورية اليمن، والعكس صحيح؟

 

القطارات والمطارات شرايين حياة العصر وتعتبر الاستثمارات فيها استثمارات طويلة الأجل، بل ودائمة وأبدية لن تنفد عوائدها حتى وإن نفدت عائدات النفط والغاز والبترول، بل وستبقى تعمل وتنتج لأجيال وأجيال طالما أجيال المتابعة والصيانة تتوالد معها، وهذا ما يدعونا إلى التحول من الأساليب الاجتهادية إلى الأساليب العلمية المنهجية المطبقة في بعض الدول، ولسنا بأقل من تلك الدول بما لدينا من مقومات وهبنا الله إياها منذ أنعم الله علينا بنعمة الجمع بين الإسلام والعروبة معاً في الجزيرة العربية، فمن حقنا أن نحلم بها منطقة متحدة، لا انقسام فيها ولا خلافات ولا حروب، فيها حرية بلا استعباد، وفيها العدالة بلا إرهاب، وفيها جيوش من أبناء جلدتها تحمي الأرض والحرث من دون وعيد من قريب أو بعيد.

 

أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أدت إلى ازدياد السياحة الداخلية بين بلدان المنطقة، والقطار الخليجي قد يساهم، إلى جانب تنمية السياحة البينية بين دول مجلس التعاون أيضاً، في تسهيل التجارة وتشجيع الاستثمار بين معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويسهم في تحريك عجلة الاقتصاد وقدرتها على المنافسة، ويؤدي  بالتالي  إلى تعميق التكامل مع السوق العالمي، ويفضي ذلك بدوره إلى تشجيع النشاط الاقتصادي، وتشجيع الاستثمار، وخلق فرص للعمالة المحلية الماهرة، ومنفساً لصادرات بعض الدول المجاورة التي تقلصت حصة صادراتها إلى السوق العالمي بسبب معوقات النقل.

 

إن انطلاق شبكة قطار نقل خليجي يعني أن نتواصل مع بعضنا وأن نفتح أبوابنا على بعضنا، وأن نتحدث مع بعضنا.

 

لقد أعطى الله هذه المنطقة خيراً كثيراً، دعنا لا نضيع هذه الخيرات في حروب تفرض علينا بمؤامرات معتوهة تنسخ خيوطها في الخارج، دعنا نتعانق بدلاً من أن نتصارع، ودعنا نحمل باقة ورود لكل دول المنطقة، إن شعوبنا كانت على مدى التاريخ تؤمن بالجيرة الطيبة وحسن الجوار وترفض أن يتدخل أي طرف في شؤوننا الداخلية لأننا شعوب تؤمن بلغة الحضارة والحوار.

 * كاتب إماراتي

ui@eim.ae

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات