حدائق "كاليفورنيا" وحرائقها ...

حدائق "كاليفورنيا" وحرائقها ...

 

02:01 2008-01-02

 
 

حدائق "كاليفورنيا" وحرائقها ...

أحمد إبراهيم

   

 

كما عشنا وشفنا “حدائق كاليفورنيا” التي غزت مجامع  أسواقنا ومطابخ بيوتنا، بفولها وعدسها وثومها وبصلها، كذلك شفنا اليوم “حرائق كاليفورنيا” التي غزت حدائقها وغاباتها بلهيب نيرانها ودخانها.

 

إنه غزو النار الأول من نوعه في تاريخ الولاية الامريكية الغنية والذي أدى الى مقتل العشرات وإجبار الآلاف على النزوح، وأسفر عن هدم 1800 منزل وبناية، كما طاول  خطر النيران المشتعلة منذ الاحد حوالي 23 ألف منزل، الأمر الذي قد يؤدي الى تلوث الهواء إضافة الى مقادير ضخمة من الدخان الذي تنفثه سنويا  440 ألف سيارة من الغازات السامة. طبقا لما ذكرته “باتريشيا راي” الناطقة باسم مجلس المواد الجوية التابع لهيئة حماية البيئة بكاليفورينا.

 

وحذرت وكالة حماية البيئة في كاليفورنيا من تدني نوعية الهواء بشكل خطير، وحثت السكان في خمس مقاطعات بالولاية على البقاء داخل منازلهم، بسبب ارتفاع مستويات تلوث الهواء الى ثلاثة اضعاف المستوى الطبيعي والمقاطعات الخمس هي سان دياجو، واورنج، ولوس انجلوس، وسان بيرنادينو، وريفيرسايد. والتحذير شمل كل السكان والفئات الاكثر تضررا طبعا هي كبار السن والاطفال ومرضى القلب والامراض التنفسية، لأن خبراء البيئة في مجلس الموارد الجوية بكاليفورنيا يعتقدون بأن مستويات تلوث الهواء بالجزئيات السامة تشكل خطرا بعد تضاؤل الآمال الأمريكية بإخماد تلك الحرائق التي خرجت عن نطاق السيطرة وتسببت بتشريد مليون شخص، وخسائر تجاوزت مليار دولار.

 

ومن جهة ثانية، أعلن حاكم كاليفورنيا ارنولد شوارتزنيغر، خلال مؤتمر صحافي، عن مكافأة كبيرة لأي شخص يدلي بمعلومات تؤدي الى القبض على مشعلي الحرائق، وتعهد شوارتزنيغر ببذل كل الجهود الممكنة للقبض على مدبري الحرائق، وقال: “سوف نتعقب الاشخاص المسؤولين عن ذلك وسوف نقبض عليهم، وسنحاكمهم بأقصى عقوبة ممكنة”، حيث يشتبه ان اثنين من الحرائق اشتعلا بفعل فاعل، فيما يعتقد آخرون أنهما ناجمان عن ماس كهربائي جراء سقوط أحد خطوط الضغط العالي بسبب الرياح الشديدة. وأشار “شوارتزنيغر” الى أن الحكومة الفيدرالية وافقت على تقديم المعونة لضحايا المناخ والطبيعة. وقد حلق الرئيس الامريكي جورج بوش بطائرته فوق تلك الاحراج الملتهبة في كاليفورنيا، وتفقد حجم الدمار الذي خلفته تلك الحرائق، ثم أعلن المقاطعات المتضررة منطقة كوارث رئيسية وأمر بتنظيم أكبر عملية اجلاء في تاريخ أمريكا منذ اعصار كاترينا، إذ وفقاً لصور التقطتها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) فإن حرائق كاليفورنيا من الضخامة بحيث يمكن مشاهدتها من الفضاء، كما يُشار الى أنًّ كاليفورنيا كانت قد شهدت في نهاية عام 2003 حرائق هائلة امتدًّت على مساحة حوالي ثلاثة آلاف كلم مربع من الأراضي وأدًّت الى مقتل 22 شخصا وتدمير أكثر من 3600 منزل.

 

فمن جانب يحلق الرئيس بوش فوق النيران بطائرته ليؤكد عزمه على إخماد الحرائق، ومن جانب آخر تؤكد تهديداته بحرب عالمية ثالثة وشيكة حبه للنار، وعزمه على الاستمرار بلعبة النار في ما تبقى له من أيام في البيت الأبيض، مطالبا مجلس الشيوخ بالمزيد من الميزانيات الداعمة لحرائقه في أفغانستان والعراق.

 

إذا كانت تقديرات بوش من الفضاء قد حددت تكلفة إخماد نيران كاليفورنيا  بمليار دولار، فإن الكونجرس الامريكي على الارض قدر كلفة حرب العراق وأفغانستان ب 2400 مليار دولار، فما إن طالب الرئيس بوش بالمزيد من موازنة الزيوت للاشعال  حتى خرجت هيلاري كلينتون التي تخوض سباق الترشح للبيت الأبيض عن صمتها بمعارضتها، طلب بوش لمبالغ جديدة، إذ ما إن صدر تقرير رسمي عن الكونجرس يوم الخميس 25 اكتوبر بأن التكلفة الاجمالية لحرب العراق وافغانستان قد تصل الى 2400 مليار دولار بحلول عام ،2017 حتى صدرت بعده مباشرة تصريحات تعهدت فيها السيناتورة الديمقراطية كلينتون بأنها قد توقف تهورات بوش الأخيرة قبل أن يخرج بلاعودة الى البيت الأبيض.

 

والتقرير الذي اصدره مكتب الميزانية في الكونجرس -الهيئة التي تقدم تحاليل تتعلق بالموازنة- أشار الى أن إجمالي النفقات قد يصل الى 1700 مليار دولار، تضاف اليها 705 مليارات دولار لدفع نفقات قروض الحكومة الامريكية بحلول عام ،2017 حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، فتعهدت هيلاري كلينتون على الفور، بمعارضة طلب بوش مبلغ 196 مليار دولار اضافي لتمويل الحرب في العراق وأفغانستان، منتقدة بشدة سياسته في العراق. وقالت: “الرئيس بوش يطلب من الكونجرس والشعب الامريكي مرة اخرى دفع ثمن قيادته الفاشلة”. واضافت: “اذا لم تغير الادارة الأمريكية نهجها في العراق، فسأصوت ضد هذا الطلب”.

 

هيلاري ذكرتنا بالمرأة التي تقف في وجه الرجل وليس خلفه، والمرأة  هي المرأة سواء كانت في جلباب بلقيس أو قناع ليلى أو بنطال جيوليت او هيلاري لكلينتون، فهي المرأة التي تقف خلف الرجل لتدفعه الى الأمام في الميدان او تقف في وجهه لتمنعه من الوقوع في الهاوية. وقد أسعفتني ذاكرتي بما سجله التاريخ للمرأة العربية التي رفضت علم الاحتلال البريطاني في مصر، عندما اصدر قائد الجيوش البريطانية أمراً عسكريا يعاقب فيه من يذكر اسم “سعد زغلول” بالسجن ستة أشهر، وبعشرين جلدة، فوقفت المرأة المصرية في وجه الكولونيلات والجنرالات، إذ اجتمعت زوجات الفلاحين ونساء الباشوات وطالبات الجامعات بالجلابيب والبناطيل معا تحت سقف واحد، ليحضرن ما لديهن ولدى أقاربهن من جنيهات ويكتبن عليها “يحيا سعد زغلول”، وبعد شهر من تحذير القائد البريطاني، كانت بيد كل جندي بريطاني ورقة نقدية “بنكنوت” مكتوب عليها “يحيا سعد زغلول”.

 

* كاتب اماراتي

ui@eim.ae

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات