بوش في آسيا وليس في العراق

بوش في آسيا وليس في العراق

 2006-11-19 00:05:57 UAE

بوش في آسيا وليس في العراق

بقلم :أحمد إبراهيم

 وتركنا الطحين للطحّانين، والعجين للعجّانين والسكّين للجزّارين.. ولم نترك العراق للعراقيين..!خبران أقاما الدنيا منذ الصباح ولم يقعداها إلى الآن، خبر إصدار الحكومة العراقية مذكرة اعتقال حارث الضاري وقبله تعليق عضوية وزير التعليم العالي بالعراق.

وعلى المثل القائل اعطوا الخبّاز خبزه، نقول اعطوا العراقيين عراقهم ويخمُد اللهيب لحاله في مهدها، لكن كافة وسائل الإعلام العالمية والإقليمية الصائمة منها والفاطرة يبدو كافة وجباتها هي العراق، فطورها العراق وسحورها العراق، دون ان يصوم عن العراق يوما واحداً منذ انتهكت الدبابات الأميركية حرمة ضفاف الرافدين في عاصمة الرشيد.

وصباح أمس في حين كان الرئيس الأميركي يعالج ربطة عنقه والمدام باربرا تمسك ذراعه وهما نحو الطائرة التي تقلهما لسنغافورة، كان هناك على الجانب الآخر من الوادي خبر مفتعل باعتقال ما يزيد على مئة شخص من قاعات حقول التعليم، ثم محاولة تصنيف هذه المجموعة إلى شيعة وسنة، ثم محاولة الإفراج عنهم على الهويات أو قتلهم على الهويات، كان ومازال الغموض سيد الموقف عن حجم المعتقلين وحجم المفرج عنهم وحجم المقتولين، والخاطفون شيعة والمخطوفون سنة، أو العكس صحيح..

وما ان وقف المواطن العراقي حائرا أمام هذه الأسئلة، واذا بالوكالات تقول ان وزارة الداخلية العراقية أصدرت مذكرة اعتقال بحق رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضاري، ولكن لماذا لا نعتبره احد الشخصيات المسلمة في العراق..لماذا التركيز على انه يعتبر احد ابرز الشخصيات (السنية) في العراق. !

قبل27 سنة يوم صنفت إيران أميركا بالشيطان الأكبر، لم تكن الإنترنت أوجدت برنامج «المسنجر» للتحاور والدردشة بالمفاوضات، فاضطر البيت الأبيض تجنيد حقيبة «كسنجر»، الذي دخل المنطقة وانكب على أوراقه ليخرج لنا بمذكرات عن الأمس الخفي ما بين أميركا وإيران على الشاشة المرئية وما بين قادة الطرفين في العربات الخفية.

لكن وما إن أصبحت مصالح الطرفين تلتقي في كابول في وجه الدب الروسي، أصبح الكعك الأميركي مقبولاً في طهران وأيضاً أصبح المصارع الرسمي الإيراني مرحباً به في حلبات البيت الأبيض، إلى أن خرج آخر جندي سوفييتي من كابول وبدا الجليد في طريقه للذوبان التدريجي من جانب وتهشم العراق إلى قطع لحمية طرية تتنازع عليها المخالب من جانب آخر.

 

واذا بالسيد بوش يسارع لتجميد ذلك الجليد من جديد عندما عاد ووضع إيران على أرفف دول محور الشر عام 2002، لكنه صباح أمس وكعادته المتوارثة من أمسه البعيد، انتقل جورج بوش إلى دولة أخرى من تلك المصنفة في محور الشر، إذ لم يذهب مباشرة إلى بيونغ يانغ وانما إلى جدار جوارها سنغافورة، وربط البيت الأبيض الزيارة رسميا بدوافع «التجارة الحرة» بينما تصريحاته الاولى في سنغافورة كانت تحوم حول برنامج بيونغ يانغ النووي.

وهل يعني ذلك ان بوش سيذهب في زيارته هذه إلى جوار كل تلك الدول المصنفه بمحور الشر، فهل نراه صباح غد في العراق المجاور لإيران مثلا ثم في بيروت المجاورة لسوريا، ام انه سيبقى في سنغافورة يتنصت لأصوات الثعابين الصينية.

أنا شخصيا لا أعتقد ان بوش في المنطقة لا من اجل العراق ولا من سوريا ولا من اجل ايران ولا حتى من اجل إسرائيل الربيبة أو بيونغ يانغ المريبة، وانما هو في المنطقة فقط ليقيس سور الصين العظيم عن قرب.

عبر التاريخ لم يدخل رئيس أميركي دول آسيا طالما كانت المنطقة تُعرف بالقارة الصفراء أو آسيا المتخلفة في المفهوم الامريكي، لا نفع من صداقتهم ولا خطر من عداوتهم.

كما وكان يعرف أهلها في مفردات قاموس البنتاغون بأقزام آسيا منذ قنبلة هيروشيما، ولكن وما إن تحولت تلك الأقزام إلى أجسام وتغير المسمى إلى نمور آسيا، دخلها على الفور الرئيس الاميركي في يومه ولكن ليس بجسمه وانا بالصوت والصورة عبر طائرات التجسس التي بدت تحلق في سماء تلك الدول المسكونة بالزواحف والثعابين.

وهو يقول محلقا من الجو: «ليس المهم فيها النمور، المهم ما تكون طيوراً وصقوراً»، لكنه يبدو أن مخالب تلك النمور في الصين، كانت أطول مما تخيلته أميركا، فأسقطت طائرة التجسس الأميركية صباح الجمعة من يناير 2005 في الأراضي الصينية، فأطلق العم سام من الجو كلمة «آسف» بدل قنبلة هيروشيما هذه المرة!، وما ان طنّ رنين كلمة:

«سوري sorry» في البر الصيني بلهجة أميركية واذا بالصين ترد بمكبرات أرض/جو «سوري سوري.!؟ لأ لأ..داسك لوري يا أميركا» وعنت بها اعتذر مرة أخرى يالعم سام.Say once more sorry والصدفة ان صاحب صوت ذلك العم سام في الفضاء كان هو نفسه مرة أخرى صاحبنا الحالي جورج دبليو بوش(الابن) .

والذي سار اليوم ليطل على الصين مرة اخرى، لكن هذه المرة بدل الفضاء من الأرض(سنغافورة) كي يضمن مخالب النمور الآسيوية الأخرى المجاورة للصين بجواره على أساس عدو العدو صديق، وصديق الصديق عدو عندما تلتقي المصالح وتُقلم المخالب.

كما ان زيارته اليوم هي الأولى من نوعها لسنغافورة كذلك كانت كلمة أسفه الشخصي هي الأولى أيضاً من نوعها للصين لفقد الطيار الصيني بعد ان اصطدمت المقاتلة التي كان يقودها بطائرة التجسس الأميركية التي اضطرت للهبوط في مطار صيني.

إذن الرئيس بوش ليس في سنغافورة اليوم قدر ما هو في الصين، وكان قد رفض في تصريحاته التي أدلى بها عام 2002 لرؤساء تحرير صحف أميركية الحديث عما تطالب به الحكومة الصينية من تقديم الولايات المتحدة لاعتذار رسمي، وكرر نداءه لبكين بإطلاق سراح طاقم الطائرة الأمريكية المحتجزين على وجه السرعة.

بل إن البلدين يجب ألا يسمحا لهذا الحادث بأن يوتر العلاقات بينهما، رغم ان الإدارة الأميركية كانت قد أعلنت في وقت سابق أن اتصالات مكثفة تجرى في الوقت الحالي بين بكين وواشنطن، ومنذ ذلك اليوم والناطق باسم البيت الأبيض يكرر دائما ان قنوات الاتصال مفتوحة دائما مع الصين .

وإن الرئيس بوش مستعد لاتخاذ ما يمكن وصفه بجسور البناء، وإزالة كل ما يمكن وصفه بجسور الهدم، وان كان ذلك على حساب دمار دول أخرى بإبادة شعوبها، لكن لن أكرر غلطتي مرة أخرى فوق أراضي البر الكبير، بل أعوضها بقصف أراضي أخرى بأفغانستان والعراق ولبنان وأيضاً ربما إيران.

وكشفت الأنباء يومذاك أن وزير الخارجية الأميركي كولين باول قد بعث برسالة إلى نائب رئيس الوزراء الصيني تشان تشي تتشن حول موضوع الحادث يعتقد أنها تحمل مقترحات دبلوماسية جديدة لنزع فتيل الأزمة التي أخذت في التوتر، وضمن الابتزاز الصيني قيل حول قيام السلطات الصينية بنزع أجهزة جمع المعلومات التي كانت على متن الطائرة.

والتي لم يستطع طاقم الطائرة تدميرها، وأن طاقم الطائرة الأمريكية المكون من أربعة وعشرين ملاحاً سيحجزون في الصين للتحقيق والاستجواب. في افتراضية تشابه الأمس الصيني الأميركي باليوم الكوري الأميركي من جديد، على أساس ان الطيار الأميركي إن لم تسلمه الصين لأميركا برفضها الأسلوب التصالحي، فما التهديدات المحتملة التي كان قد لاحت بها عصى البوش الانتقامية المعروفة:

(سحب الدبلوماسيين من بكين مثلا، أو إلغاء برامج التنسيق العسكري، وإعاقة مساعي الصين للانضمام لمنظمة التجارة العالمية، إلغاء زيارات الرؤساء الأميركان القادمون الجمهوريون منهم الديمقراطيون مثلاً، أو معارضة محاولة الصين استضافة الدورة الأوليمبية عام ألفين وثمانية)؟

في ضوء تلك الاسئلة الاحتمالية، دعنا نضع مسودة افتراضات اخرى قد تفرض على دول محور الشر بدءاً من بيونغ يانغ، هل التهديد يدور مثلا حول الرئيس بوش أنه لن يزور بيونغ يونغ ولن يذهب إلى طهران ولا دمشق..؟

ونرد عليه بالقول: فهل سبق له ان ذهب إلى تلك الدول وهل ستخسر هذه الدول ان لم يذهب وماذا ستخسر، وماذا استفادت من بوش الدول التي ذهب إليها اليوم وسيذهب لها غداً أو بعد غد..؟ طبعاً ونستثني من هذه الدول ربيبتها في المنطقة (إسرائيل.)

لم يبق في جعبة أبناء المنطقة المزيد من الاحتمالات والافتراضات غير الوعظ والنصائح والإرشادات للسيد بوش عبر المنابر الحرة:

سيدي بوش.! إياك والمزيد من الغطرسة والغرور، اذ يقال عن الغرور انه يتحول يوما إلى حبل مشنقة ليلتف حول رقبة صاحبه، وكما قالت لك الصين قبل ثلاثة أعوام «أعتذر مرة أخرى» كذلك يقال عنك أنك سألت يوما بيونغ يانغ ثلاث مرات: هل عندكم الماء لسخانة السباحة والكهرباء لماكينة الحلاقة؟

فردت عليك بيونغ يانغ في الأولى بنعم مهذب وفي الثانية بنعم مركّب، أما وفي الثالثة فقامت بصوت عال دوت في الاقليم كلماته (نعم عندنا الماء الثقيل)، ونحن أبناء البحر لم نفهم من كلمة الماء الثقيل إلا في حدود ما يفهمه البحار والسماك مما يوجد في البحر من اسماك التونة والشعري وسلطان إبراهيم ودون «الهوامير» إن شاء الله.

تعليقات 1

عبدالهادي - السعودية
وقفة شكر وعرفان للكاتب الهمام أحمد إبراهيم
تسير بنا الأيام وتمضي .. تأخذ منا ما تأخذه .. وتترك لنا ما تترك .. ولانقف عند هذا طويلا ..ولكن حينما .. تمنحك الأيام إنسانا رائعا .. إنسانا صادقا .. إنسانا نقيا طاهر القلب .. ساطعا كا لشمس .. وضاء كالقمر .. بهيّا في طلعته كالورود .. وسخيا في عطائه كالمطر ..وقفة شكر وعرفان تظفر معها بكل الحب والاحترام لمن منحته لك الأيام .. وتنطق له دائما وأبدا .. بأروع كلمة في الوجود ( الله معك ) ليظل توقيعك له مدى الحياة ...
   0 0
أظهر المزيد