بالعنف أين المفر؟ .. فإلى مقر «محور الشر»

بالعنف أين المفر؟ .. فإلى مقر «محور الشر»

2007-03-18 00:04:31 UAE

بالعنف أين المفر؟ .. فإلى مقر «محور الشر»

بقلم :أحمد إبراهيم

الجلسة الأميركية/ الإيرانية السورية في بغداد، والجلسة الأميركية/ الكورية في بيونغ يانغ، لا أدري أهي جلسات تستحق أن نسميها عودة محور الشر أم العودة لمحور الشر؟وانكبّ على أوراق لعبته الأخيرة في ساحات ثلاث كان قد صنفها بنفسه (دول محور الشر)، لكنه عادها ليستحم في الشمس مثل العصافير المبللة فيها!

 

بعد أن اكتشف أن أول ضحايا العنف هو صاحب العنف نفسه، سواء كان قد استخدم العنف بنفسه بصورة مباشرة أو دعا للعنف عبر من سماهم الحلفاء والأصدقاء والعملاء، وفي الحالتين هو الضحية الأولى، بل في جميع الحالات العنفية بين البشر كان صاحب العنف هو الضحية الأولى، كما هو الضحية في الحياة وهو الضحية بعد الممات، إذ أثبت لنا تاريخ البشر أن تمثال الدكتاتور المنصوب في الميادين لابد أن يسقط على وجهه في الموازين، وان السجلات العنترية والهتلرية والموسولونية والبربرية وغيرها.

 

وان فتحت في الساحات عنوة واستعراضا لكن أقدامها تنتهي في السقيط وفي السكيك والحفريات وعلى فتحات البواليع واللحود والقبور، (وبيونغ يانغ) بعد أن كانت قد صُنّفت ووضعت على أرفف محور الشر، احتست منذ أيام كأس النبيذ اللذيذ مع واشنطن أخيرا، رشفةً هي الأولي من نوعها بين الغريمين (الولايات المتحدة وكوريا الشمالية) منذ حوالي نصف قرن بهدف تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ورأس الوفد الأميركي كريستوفر هيل مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، والوفد الكوري كيم كيجاون نائب وزير الخارجية، فهل يعني ذلك أن كوريا الشمالية عادت لأميركا، أو العكس صحيح؟

 

بعد الإعلان عن عدم تصنيف كوريا الشمالية كدولة راعية للإرهاب في القائمة الأميركية ورفع العقوبات عنها بعيد المحادثات السداسية ببكين الشهر الماضي. وسوف تتلقى كوريا الشمالية ما يعادل خمسين ألف طن من الوقود مقابل حرمانها من الوقود النووي، وتعهدا بمنحها كمية أضافية توازي 950 ألف طن عندما يتم إيقاف المفاعل القادر على إنتاج بلوتنيوم يكفي لتصنيع قنبلة نووية واحدة سنويا بشكل دائم.

 

وقبل الإعلان الإيراني عن الموافقة على حضور مؤتمر بغداد كانت الحلقة الثالثة لمحور الشر (سوريا) قد أعلنت أيضاً أنها ستشارك في هذا المؤتمر، ونال هذين الإعلانين الإيراني والسوري تأييدا أميركيا على الفور وعلى لسان وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس: «إن النجاح في العراق يتطلب دعما إيجابيا من جيران العراق».

 

عجيب أمر دنياكم يا أحبائي الأميركان، فمن تختارونه للجلوس على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض لا يتوافق كلامه مع من يختاره هو للجلوس على كرسي وزارة خارجيته، فالرئيس بوش أصر على انه سيواصل مداهماته لدول محور الشر بحزام لا ينسف بمايكروفونات المؤتمرات.

 

وعليه قد زجّ المنطقة بدل الكراسي والطاولات بالدبابات والطائرات، وكرر على لسان وزير دفاعه أن الخيار العسكري غير مستبعد بعد أن دخل المنطقة توا الأسطول الثالث لحاملة طائراته، فهل يعني ذلك أن نهاية الحرب الأميركية في العراق تبدو وشيكة جدا، وتوجيه الدبابات الأميركية نحو إيران أيضا وشيكة.؟ وذلك لعدم مقدرة واشنطن الإمساك بلجامين في وقت واحد.؟

 

أو علينا أن نفهم (ولو جدلا) ان قبول الإدارة الأميركية الجلوس إلى مائدة قطبي الشر معا (إيران وسوريا) للتفاوض هو بداية الاعتراف بان العنف لم يولد إلا العنف، وانه يبحث عن مخارج للهروب من حرب لا فوز فيها بالعنف، وأن حاملات الطائرات الأخيرة ما جاءت للمنطقة إلا مكرا ودهاءً بورقة دبلوماسية قديمة مضى عليها الدهر: (نعم، التفاوض من منطق القوة ولو بحيلة).

إدارة بوش مرتبكة في تعاملاتها مع المنطقة، وهو ارتباك يتبعها الإفلاس، فما رفضته هذه الإدارة بالأمس، تقبله اليوم وما تقبله اليوم قد ترفضه غدا، فها هي الإدارة نفسها تعود إلى الملف الفلسطيني بصوت كوندوليزا مجددا وتحاول إحياء مفاوضات السلام، وتلجأ إلى ترتيب لقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وتوافق على مؤتمر إقليمي حول العراق بحضور إيران وسوريا من جانب، لكن لقيطتها اللاشرعية في المنطقة (إسرائيل) ترفع أقصى درجات شعارات الخطر والحذر في المنطقة من جانب آخر!

 

هذه اللهجات السلمية التفاوضية الأميركية الجديدة جاءت بسبب تعاظم الخسائر المادية والبشرية في كافة مواقع العنف الأميركية، مما أثرت على الانتخابات النصفية للكونغرس التي أجبرت بوش على التغييرات في إدارته: منها إبعاد «رامسفيلد» عن وزارة الدفاع، الذي خلط في صلاحياته الوزارية كوكتيله الخاص بالعراق وأفغانستان بصورة مباشرة وفي فلسطين وجنوب لبنان بصورة غير مباشرة، لكن وما إن دخلها وريثه «روبرت غيتس» إلا وأحدث تغييرا كبيرا بفك الارتباط بين الدفاع والخارجية، فأصبحت مكوكيات كوندوليزا رايس طليقة للمنطقة مجددا.

 

العودة للدبلوماسية مجددا بنفس رئاسة بوش الوشيكة على الانتهاء ومع نفس الأقطاب الثلاثة لمحور الشر التي صنفها نفس الرئيس، تعني قناعة دولية وأميركية راسخة بان العنف لا يحقق النجاح، بل يؤدي إلى الفشل والعار، وهذا ما حصل منذ ان ربط هذا الرئيس حزامه في وجوه مناطق وشعوب فازدادت عدد الأحزمة الناسفة في وجوه الأحزمة العانفة.

 

إدارة بوش حاولت أن تغطي خطوتها المفاجئة والمترددة في الجلوس مع خصميها في المنطقة، أي إيران وسوريا، بالقول إن المفاوضات فقط في الملف العراقي، ولن تنتقل إلى الملف النووي الإيراني أو الملفين اللبناني والإسرائيلي والسوري، لكن لو سكتنا قليلا عن القطب الأول لمحور الشر (بيونغ يانغ) والساكتة أصلاً، وقلنا إن طاولة المفاوضات الحالية ليست رباعية الجوانب بل ثلاثية:

 

(أميركا وإيران وسوريا) ونسينا او تناسينا البلد المضيف العراق، لأن الاستقبال في العراق مازال بدبابات أميركية، فلا أعتقد أن إيران وسوريا اللتين اجتازتا نهر العناد والتحدي نوعا ما ولحد الآن بسلام، أنهما ستقدمان للسيد بوش غطاء مجانيا لإخفاء الوجوه المتورطة في العراق ولتخرجها من المنطقة متنكرة بثوب إيراني أو سوري!

 

وفبركة جديدة وغريبة يجب ان يتنبه لها الجميع وهي بمثابة صافرة إنذار من إسرائيل على لسان رئيس وزرائها أولمرت وهو يخاطب وزير دفاعه بيرتيس «اخرس» تلك المشادة الحادة التي لا سابق لها في تاريخ جلسات مجلس الوزراء الإسرائيلي منذ أن زُرعت إسرائيل في المنطقة، والأولى من نوعها على الأقل بهذا القدر من الجهر والعلن.

 

أنا أخشى من هذه الكلمة (أخرس)، أخشاها أنها الغائبة الكبرى عن هذا الاجتماع الأميركي الإيراني السوري، لأن الحقيقة التي أراها أنا وقد تكون معكوسة لدى الكثيرين، ولكني ادعوهم لقراءتها ولو مرة واحدة وان كانت معكوسة، كانت صورة إسرائيل في عيون العالم مثل حمام السلام الذي ينقر رأسها 21 من الصقور العربية، ومئة وثمانين مليون رماة عرب، وملياري دعاة مسلم، وهي المسكينة (إسرائيل) لا تتجاوز أربعة ملايين، إسرائيل تلك الدولة الصغيرة المسالمة التي قدمها الإعلام الغربي للعالم أن مئتي ضعف سكانها عربيا وملياري ضعف سكانها إسلاميا تريد أن تنقض عليها فبات للعالم وجه الإسلام المسالم إرهابا ووجه إسرائيل المتنكر إسلاما.

 

لكن بيريتس واشكره بيريتس على فعلته، جاء ونزع صورة حمام السلام عن وجه إسرائيل المقنّع فظهر الذئب المفترس على الأطفال والنساء في جنوب لبنان وفلسطين، فانا اشكره بيريتس على هذه الخدمة الدعائية التي لولاه لما نلناه إعلاميا ولو بمليارات الدولارات وبالمئات من الفضائيات.

 

وكان هدف أولمرت هو سحق حزب الله في الساحة اللبنانية وإنهاء المقاومة الفلسطينية في القدس الشريف، وإذا ببيريتس جاء وزرع بقنابله العنقودية اسم حزب الله في كل بيت وفي كل قلب، ونشر أعلام المقاومة الفلسطينية في كل ارض، ورفع شعار «القدس قدسنا» في كل مسجد وكنيسة، فمن حق أولمرت أن يخرسه إن لم يخرس هو كما من حق الرئيس بوش ان يضمه لأقطاب محور الشر.

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات