أسبوع الضباب

أسبوع الضباب

2007-03-04 00:04:39 UAE

أسبوع الضباب

بقلم :أحمد إبراهيم

اليوم (الأحد) بالضباب نفتح الكتاب حيث انه وعكس التيار الأسبوعي المعهود والمتسارع تقلباً وتقدماً وبعد مرور أسبوع كامل على الضباب، انه مازال جديرا بنا ان نجعل اليوم مفتاح «الكتاب» كلمة «الضباب»، ليس لان الأسبوع الماضي افتتحناه بالضباب وحسب، حين سجلت غرفة القيادة والسيطرة بالإدارة العامة للعمليات في شرطة دبي، منذ الساعات الأولى من الأحد الماضي وحتى التاسعة الفترة التي شهدت ضباباً كثيفاً ـ (152) حادثاً مرورياً، أسفرت عن إصابة 91 شخصاً منهم 19 طالبة بجامعة زايد تعرضت الحافلة التي كانت تقلهن لحادث مروري على شارع الخيل، تراوحت الإصابات بين البليغة والبسيطة.

كما سبب حادث اصطدام بين حافلتين على شارع الخيل، إلى إصابة أكثر من 50 شخصاً، كل هذا على الأرض في الإمارة بسبب «الضباب» واما في الفضاء فأيضا تسبب «مستر ضباب» أو سيدتنا «الستّ ضباب» في تحويل مسار أكثر من 16 رحلة جوية بين مطارات الدولة وما يفوق على 50 رحلة جوية بين مطارات المنطقة في الإقليم.

وهل من المعقول ان نجعل اللوم كل اللوم على «الستّ ضباب» رغم كل التوعية المرورية والارشادات التي تقوم بها شرطة دبي مشكورة عما علينا من واجبات جديدة مع كل جديد في الطريق من تدني مستوى الرؤية، ونحن نتجاهل المطلوب من الحيطة والحذر وتخفيض مستويات السرعة وترك المسافات، ونقوم بالإجماع لتقديم:

«مستر ضباب» للمحاكمة، ودون ان نتحقق حتى من هويته وجنسيته وجنسه أو هو حقا «مستر ضباب» ام هي «المدام البسبوسة الستّ ضباب.؟» لنعود ونجعل اللوم والعتاب على الضباب ثم الضباب ثم الضباب..!ورغم ان مستر ضباب خرج ولم يعد منذ أسبوع كامل، إلا ان ما يرغمني على اختيار عنوان مقالي (أسبوع الضباب) هو ضبابية الرؤية ليست في شوارعنا وطرقنا وإنما في أقاليمنا وقاراتنا.

فأميركا الضبابة الأولى في المنطقة ان لم تكن هي الأخيرة أيضا، فمن جانب تلوح بعصا العقوبات الرادعة للملف النووي، ثم تعود وتخرج من عباءتها الجزر والخيار والبقلاوة والشكولاته من جانب آخر، وتكون هي التي وضعت اللمسات الأخيرة للتصاميم والديكورات النهائية لقاعة الاجتماع في المطب العراقي لتضم كل اطراف الملفات المعنية بالجزر والعصا معا.

وضبابه أخرى أخفت الرؤية هذا الأسبوع عنا ولا احد عرف ماذا قال كاسترو الكوبي في مكالمته مع حليفه شافيز الفنزويلي، رغم التشهير بتلك المكالمة بتكرار وإصرار بان الرئيس الكوبي العليل فيديل كاسترو حاور في بث مباشر حليفه الرئيس الفنزويلي هيوجو شافيز.

ورغم ما أشيع في المنطقة ان كاسترو سُمع مباشرة على الهواء من خلال البرنامج الإذاعي اليومي للرئيس الفنزويلي الذي تبثه الإذاعة في كاراكاس، إلا انه وكما أسلفت لا احد عرف ماذا قال الرئيسان وما دار بينهما ولماذا اختير ان يكون علنا وفي هذا التوقيت بالذات؟ طبعا معلوم لدى الجميع ان الزعيم الكوبي الثمانيني، قد أصيب بوعكة صحية في شهر يوليو الماضي ويعتقد أنه يعاني من ضعف في عضلات القولون، ونحن المسلمين نحافظ دائما على شعارنا الإسلامي دعاء الشفاء للمرضى والترحم للموتى.

وضبابة اخفت الرؤية فلم يعرف احد ماذا يقصد احمدي نجاد بـ (قطار بلا مكابح) و لماذا استخدمت كوندوليزا رايس أيضا نفس كلمتي: (المكابح والقطار) متبوعة ب: «يمكن الضغط عليها»، دون ان تشرح المقصودة من اليد الضاغطة، أهي نفس اليد الإيرانية المضغوطة، ام أنها خفية سوف تأتي من وراء البحار!؟

وضبابة أخرى لم تكن الأخيرة لاحت هذا الأسبوع في اجتماع الدبلوماسيين للدول الست (أميركا وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا وألمانيا) لبحث سبل التعامل مع إيران بعد ان أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان طهران تمردت على الموعد المحدد للوكالة، ورغم انه وقبل يوم فقط من هذا الاجتماع بلندن، استخدم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد كلمتيه «قطار ومكابح» الضبابيتين وعاد وكرر نائب وزير خارجيته نفس نبراته الضبابية قائلا إن بلاده مستعدة لأي وضع، حتى الحرب!

لكن الضبابة الأقوى دون منازع هذا الأسبوع جاءت من «كوندوليزا رايس» الحريصة على استخدام نفس كلمتي «قطار» و«مكابح» بعملية تجميلية طفيفة يفهم منها: «انه ليس بالضرورة على إيران ان ترجع للوراء وإنما يكفيها مجرد استخدام زر التوقف ولو قليلا..!» في حين كان نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني قد جدد في وقت سابق تحذيرا بأن اللجوء إلى القوة خيار مطروح مع إيران.!

حصل كل ذلك وفي حين كان على الطرف الآخر وزراء خارجية سبعة بلدان إسلامية (مصر وإندونيسيا والأردن وماليزيا وباكستان والسعودية وتركيا) قد دفعوا بعد ان اجتمعوا في باكستان إلى حل دبلوماسي للأزمة التي وصفوها بالخطيرة، وكانت كلمات مسك الختام لتلك البلدان هي: «من الحيوي أن يتم حل كافة القضايا عبر الدبلوماسية وألا يتم اللجوء إلى القوة».

ويبدو تزامنا للغتي القوة والسلام وانه تجنباً لطبول العنف والقوة، أو تناغماً لترانيم السلام وصلت تواً طلائع قوات حفظ السلام الإفريقية إلى الصومال لتنتشر في مدينة بيداوا جنوبي البلاد، وان الدفعة الأولى منها مكونة من ثلاثين عسكريا اوغنديا، معظمهم ضباط، وصلت على متن طائرة (حربية) إلى بيداوا (اللاحربية) ان جاز التعبير حيث يوجد بها مقر الحكومة الصومالية المؤقتة، والحكومة تعني السلام ولا تعني الحرب ..أليس كذلك؟

وقالت وكالة اسوشيتد برس إن محافظ بيداوا محمد ماضي اسحق ومسؤولين عسكريين صوماليين كانوا في استقبال القوات الأوغندية بالمطار، وتعهدت أوغندا بتوفير 1500 جندي ضمن هذه القوة بينما ستشارك دول افريقية أخرى منها مالاوي ونيجيريا وغانا وبوروندي بقوات أخرى.

وستتولى القوات (والكلام للوكالة) بالقيام بالعمل العسكري عند الضرورة وتدريب القوات الصومالية، حيث يستخدم السلاح الذي يدخل الصومال فقط من قبل قوات الاتحاد الافريقي، رغم ان السلاح استخدم في الصومال بشرف الدفاع عن الوطن والحريات والمقدسات لكن الإعلام المعادي قدم للعالم تلك السواعد المدافعة بفلول ميليشيا المحاكم الإسلامية.

نعم إنهم سلسلة مطبّات ضبابية في رحلة الحياة: تلك الأساطيل اللاعربية نحو العرب واللا إسلامية نحو الإسلام والمسلمين، إذ كنت انتظر ان نستفيد من الكارثتين الحديثتين اللتين حلتا بكل من العراق ولبنان، كنت أتوقع ان الدول العربية والدول الإسلامية ستجتمع فورا وتصفي كل ما بينها من نزاع وخلاف، كنت أتصور ان الجيشين الإيراني والأفغاني، والجيشين العراقي والأردني والجيشين السوري واللبناني، والفصيلتين الفلسطينية والفلسطينية وكل الفصائل الإسلامية الاسلامية والعربية العربية، كلهم سيأخدون بعضهم البعض بالأحضان.

لو انقشعت الضبابة هذه لبدت الرؤية لقراءة حروف تاريخنا بالعين المجردة، ولعرفنا ان سلاح اسرائيل المضبّب/السري، أو قوة مخابراتها واستخباراتها لم تكن يوما ما في «موسادها» قدر ما هي في انقسام العرب والمسلمين على بعضهم البعض، وجدير بنا ان نسير قليلا عكس التيار، ونتوقف عن هدر الأموال على تلك المؤتمرات والقمم لننقل مقرات الجامعة العربية من عاصمة لعاصمة ومن تونس للقاهرة، وان ننفق ولو جزءا بسيطا من تلك الدنانير والجنيهات على كراسة صغيرة تُطبع وتُوزع مجانا بالسواسية على الساسة والشعب، والقادة ورجل الشارع.

وعلى الطفل الصغير منا جنبا إلى جنب الهرم الكبير، ونضع في تلك الكراسة صفحات غير ضبابية تفسر بالكلمات وتعبر بالرسوم والكاريكاتير وتهلهل بالاشعار والترانيم أسباب ابادتنا في الأندلس وهزيمتنا في فلسطين ومجزرتنا بصبرا وشاتيلا ومحرقتنا بجنوب لبنان وحمامات دمائنا بالعراق والجزائر والصومال، لنكشف ولو جزءا بسيطا مما كانت تخفيه تلك الضبابة السابقة، طبعا والقادمة أضبب!

كنت أتوقع أننا فعلا دخلنا أسبوع «اللاضبابي العربي» ويبدو لي ان كل طفل عربي يتوقع معي بفطرة برائته الطفوليه، ان الدم العربي الذي أريق في كل من العراق ولبنان وفلسطين والصومال، والدم الإسلامي الذي أريق في كل من أفغانستان وكشمير والبوسنة وايران، يكفي لغسل القلوب من أحقادها وتطهيرها من نزاعاتها، فإن حصل ذلك بتحصيل حاصل فالقادم لن يكون أسبوع اللاضباب وإنما عمرا من الّلاضباب إن شاء الله، انه سميع مجيب.

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات