"دارفور" وخلخلة الميزان العربي

"دارفور" وخلخلة الميزان العربي

 

 2007-12-19    

 
 

"دارفور" وخلخلة الميزان العربي

أحمد إبراهيم

   

 

خلخلة “الميزان” العربي في أكثر من دولة عربية، يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، والذي يقوم بهذه الخلخلة أو يحرض عليها، لا شك في أنه يبيّت شراً بالبلد المعني وبمواطنيه، مهما كانت مشاربهم ومذاهبهم وانتماءاتهم بحيث بات واضحاً أن هناك أيادي خفية تدغدغ أحشاء هذا الميزان وتعبث به.

 

لكن من رفع السماء ووضع “الميزان” كان قد وضع أيضاً مقاييسه من العدل والإنصاف والمساواة، بين من يعيش تحت هذا السماء من أبناء آدم وحواء من دون تمييز بين أبيض وأسود، وعربي وأعجمي، كما سنّه الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً. فكانت قولته: “لافرق بين عربي وأعجمي ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى”، وهكذا كانت حال سلمان الفارسي وبلال الحبشي، وهكذا كان على نهجه الخلفاء الراشدون ومنهم الإمام علي كرم الله وجهه الذي دعا الإنسان المسلم أينما كان على وجه الأرض أن يتعامل مع أخيه الإنسان بمعيارين لا ثالث لهما: “إما أخوك في الدين أو نظيرك في الإنسانية”.

 

“دارفور” و”الجنجويد” مفردتان جديدتان على قواميسنا لم يستوعبهما الكثير منا رغم كثرة ما يسمع ويقرأ عنهما، وهنا يأتي دور الكتّاب المتخصصين أن يكتبوا عن علم ودراية، والمستجدين منهم أن يتمهلوا كي لايكتبوا عن وهم ورواية، بل ويتريثوا ريثما يستوعبوا ما يدور علناً على خشبة المسرح، وما يتم تدويره خفية خلف الستار، لتكون كتاباتهم صحيحة بلا إملاءات، بل وحتى افتراءات، إذ كلما اقرأ واسمع عن “دارفور” و”الجنجويد”، كنت أراجع نفسي، ويسائلني قلمي: “من أين ابدأ..؟”

 

وفوجئت أخيراً بتقرير أعده “كليفورد كونان” مراسل صحيفة “الاندبندت” في بكين، جاء فيه أن الصين استعرضت مجموعة من المراسلين العاملين في جيش التحرير الشعبي، والذين سيشاركون في قوة حفظ السلام التي سترسل إلى دارفور، في محاولة منها لتغيير الانطباع العام في العالم حول دعم الصين للمذابح بشكل غير مباشر من خلال تجاهل ما يحدث، أو من خلال عدم إدانة الجهة المدانة بعيون أمريكا والغرب.

 

أينما اتجهت بكين هذه الأيام، فإنها تظهر لنا البوصلة الأمريكية في الاتجاه المعاكس، فهناك واشنطن ومن يسير في ركابها، وهناك الصين المعارضة للمواقف الأمريكية، وهو ما أدى الى خلخلة في ميزان القوة الأمريكية العالمية، فالصين باتت في إفريقيا وقد وقفت مع السودان في ملف درافور في مجلس الأمن الدولي، حيث سعت واشنطن الى فرض عقوبات على السودان.

 

لكن، لماذا منطقة دارفور تسرق الأضواء أكثر من غيرها، رغم أن ما يدور على أرضها لا يختلف عن تلك الحروب الأهلية التي تطاحنت فيها أجساد العرب والعجم والمسلمين وغير المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان، من دون تمييز بين أبيض وأسود؟

تنقسم القبائل في دارفور إلى “مجموعات القبائل المستقرة” في المناطق الريفية مثل: “الفور” و”المساليت” و”الزغاوة”، و”الداجو” و”التنجر” و”التامة”، إضافة إلى “مجموعات القبائل الرحل” التي تتنقل من مكان لآخر، ووفدت إلى المنطقة مثل: “أبالة” و”زيلات” و”محاميد” و”مهريه” و”بني حسين” و”الرزيقات” و”المعالية”. وأغلبية سكان دارفور مسلمون يتكلمون العربية ولغاتهم المحلية، ولم يسمع أحد أن الاختلافات الإثنية والثقافية بين هذه المجتمعات التي تم استغلالها بصورة واسعة في هذا الصراع كان لها دور في أي خلافات بين مجموعتي القبائل المختلفة، ففي 1989 اندلع نزاع عنيف بين الفور (أفارقة) والعرب، وتمت المصالحة في مؤتمر عقد في الفاشر، ثم اندلع صراع قبلي آخر بين العرب والمساليت في غرب دارفور بين عامي 1998-،2001 ما أدى إلى لجوء كثير من المساليت إلى تشاد، ثم وقعت اتفاقية سلام محلية مع سلطان المساليت عاد بموجبها بعض اللاجئين فيما آثر البعض البقاء في تشاد.

 

أما كلمة “جنجاويد” فهي مكونة من ثلاثة مقاطع هي: “جن” بمعنى رجل، و”جاو” أو “جي” ويقصد بها أن هذا الرجل يحمل مدفعاً رشاشاً من نوع “جيم 3” المنتشر في دارفور بكثرة، و”ويد” ومعناها الجواد.. وتعني: “الرجل الذي يركب جواداً ويحمل مدفعاً رشاشاً”، وهم غالباً ما يلبسون ثياباً بيضاء ويركبون الخيل، ويهاجمون السكان والمتمردين معاً في دارفور، وهناك روايات عن نهبهم أهالي دارفور، وآخر انباء عن وكالات الإغاثة الدولية بدارفور أنها قد تنسحب إن استمر العنف والسلب من جانب الجنجاويد، رغم الخلاف حول مزاعم تتحدث عن دور ونفوذ للحكومة السوادنية على هؤلاء المتمردين، إذ تنفي الحكومة السودانية الأمر بشدة، وتقول: إنها لا ولاية لها عليهم، وإنهم يهاجمون قواتها أيضاً.

 

لكن ما اشتد الحديث حوله ليصبح حديث العصر هو ما ينسب إلى هذه الميليشيات بما تقوم بعمليات قتل واغتصاب وتشويه ونهب وإحراق عشرات الآلاف من البيوت، وتشريد مئات الآلاف من الأشخاص، ويقال: إن عددهم صغير جداً، لكنهم مسلحون تسليحاً جيداً بالرشاشات ويركبون الخيل والجمال، وإن هدفهم من مهاجمة القبائل الإفريقية هو طردهم من بيوتهم، وإجبارهم على التخلي عن موارد المياه والمراعي المهمة للقبائل الرحل ذات الأصول العربية.

 

والجانب الآخر لهذا الميزان المختل هو ما أعلنته “إسرائيل” مؤخراً بأنها وافقت على إبقاء 498 لاجئاً من إقليم دارفور دخلوا اليها بطريقة غير مشروعة، فقامت لجنة “اسرائيلية” بتشريع حق البقاء لهم في “إسرائيل”، إذ إن من عادة “إسرائيل” وضع الكمامات على الأفواه لو تسلل إليها طفل رضيع عن طريق سيناء أو المعبر الحدودي، لكن الغريب أنها تبدو متعاطفة مع هؤلاء المتسللين الذين تتحدث الاحصاءات عن تزايد عددهم، إذ تشير “إسرائيل” إلى أن عددهم بلغ الشهر الحالي 150 متسللاً مقارنة بأكثر من 900 خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي.

 

إن موافقة “إسرائيل” على استضافة بعض هؤلاء المتسللين يثير الريبة في الواقع، إذ إن ممارساتها كانت باستمرار قائمة على العنصرية والحقد والكراهية والعدوان، وتاريخها حافل بمآثر المجازر، وعندما تقبل بوجود بعض اللاجئين السودانيين فهذا يعني أن وراء الأكمة ما وراءها.

* كاتب إماراتي

ui@eim.ae 

تعليقات 0

لم يتم العثور على تعليقات