«قابيل» لم عُدت بجدار الفصل لأخيك «هابيل»؟

«قابيل» لم عُدت بجدار الفصل لأخيك «هابيل»؟

2006-10-08 00:06:04 UAE

«قابيل» لم عُدت بجدار الفصل لأخيك «هابيل»؟

بقلم :أحمد إبراهيم

بعد أن عُرف (قابيل) قاتلا بالحرف الاول من اسمه (قاف)، وعُرف (هابيل) بمن هلك مقتولا على يد شقيقه من أمه وأبيه آدم وحواء وايضا بالحرف الاول من اسمه (هاء)، تعود اليوم أسطورة (القاف والهاء) ومن نفس المعمورة (بالقدس) حيث أول ما أهبط الله فيها آدم وحواء وأبناءهما هابيل وقابيل وشيث وآخرون، لكن الأسطورة تعود هذه المرة بثوبي (الحاء والفاء) من (حماس وفتح) ولكن أيضاً من نفس المعمورة (بفلسطين).

وبعد أن عرفنا أن قابيل هو الذي قتل بقافه وهابيل هو الذي هلك بهاءه بفلسطين الأمس، بقي أن نعرف الآن، من هو القابيل ومن هو الهابيل بفلسطين اليوم.؟ يقال ان هابيل وقابيل ولدا متلاصقي الظهر، دون جدار فصل بينهما، فاضطر أبو البشر آدم (على نبينا وعليه السلام)، إلى فصلهما بالسيف، وتم فصلهما فعلا بالسيف، ولكن دون ان ينفصل عنهما السيف بالفعل، إذ يبدو انه قرر البقاء مسلولا متلاصقا بالأشقاء من أبناء آدم وحواء إلى يومنا هذا ولعلّه يبقى مسلولا بيننا إلى قيام يوم الدين.

الأخ الشقيق يعني ، اخوك من أمك وابيك، والفلسطينيون اليوم هم الأشقاء بالمعنى الحقيقي من ام واحدة اسمها (القدس) ومن أب واحد اسمه (فلسطين). وما استخدم آدم يومذاك من سيف لفصل الشقيقين المتلاصقي القفى، كان هو سيف الرحمة، أريد به التلاحم بوجهين متقاربين بدل التناحر بظهرين متباعدين، لكن العنصر الدخيل الشيطان الشاطر تسلل بينهما، وأوصل قابيل خلسة وبنفس السيف إلى عنق شقيقه من امه وأبيه على فراشه.

فياترى من أعاد اليوم ذلك السيف إلى فلسطين.؟ ويا ترى من هما قابيل وهابيل اليوم واين يكمنان من صفوف حماس وفتح ؟ السيوف عندما تضرب ببعضها قد تعطيك صوتا مدويّا ممزوجا بأوتار موسيقى ممتعة، لأنها قد تشبه صوت قرقعة الأواني في المطابخ بروائح الثوم والبصل والنكهيات والمشويات خاصة في السويعات الأخيرة من نهار الصائمين.

لكن ضربتها على الرقاب والأعناق، قد لا تسمعنا أصوات السيوف مباشرة، لانّ صراخ الحناجر والرقاب وهي تتقطع يعلوه ويعلو درجات ريختر في الأرض ونعيق الغراب في الفضاء، وهي تنتقل من دنيا الأحياء إلى النعوش والتوابيت، حيث الصمت الأبدي فلا صوت بعد اليوم، ولا يصح ان نصنّف تلك الأصوات ايضا (بالموسيقى)،

لانها موسيقى (الغرغرينا) تُدق لحظة مغادرة الروح للجسد وفي أنين العذاب والتعذيب، فلا يجوز ان نلقّبها نفس رائعة (بتهوفن) الذي اودع ابتكاره تحفة للبشرية ووصفها غذاء للروح، ولن تستمتع على موسيقى الغرغرينا الاّ النفوس الشريرة التي تتلذّذ برقصات ما قبل الموت للفريسة.

لم يرتفع في المنطقة صوت قرقعة سيوف حماس وفتح الا بعد ما اُعلن في البيت الأبيض ان الريش بدأ ينبت على حقائب «كوندليزارايس»، لتطير بها للمنطقة، فامتزجت أصوات الحلي والحلل والخواتم والحيول لسواعدها وسيقانها هناك في البيت الأبيض بأصوات سيوف هابيل وقابيل هنا بفلسطين،

وذلك بعد ان تسلّل مرة أخرى الشيطان الشاطر بين الشقيقين، وسلّم قابيل سيفا حاداّ موجّها لعنق شقيقه هابيل الذي كان ينام بجواره في خندق واحد، لكنه لم يكن هذه المرة نفس ذلك الشيطان الشاطر القديم الذي جاور هابيل وقابيل وأكتفى بكوخ آدم وحواء، وانما شيطان اليوم هو الأشطر والأكبر الذي قد يواصل زحفه وتسلّله بين أبناء هابيل وأحفاده وبجواره وجداره إلى ما لانهاية، إن لم نفق نحن أبناء هابيل من نومة الغافلين أو المستغفلين.

وما ان ينبُت الريش في حقائبها الا وطارت «رايس» بإملاءات (والمملوءة أصلا) للمنطقة، ولعلها احتست بنكهات من القهوة العربية، ثم تمزمزت برشفات من النيل النقيّة، لكنها لم ترتو، وما اشتهت حبيبات فلسطينية التين والزيتون، بل ظلّت متعطشة توّاقة لرشفات النبيذ على ضفاف البحر في تل أبيب، يقال ان ظمأ المرأة ترويه الدموع،

لكن امرأة توّجت طرزانا للعصر، طبعا لن تطفأ ظمأها الدموع بل الدماء واشلاّء الأطفال وجثث المدنيين من النساء والعزّل واكوام الدمار والخراب الشامل للبيوت والاحياء.. وكلها توجد هنا في فلسطين ولبنان، ولا يوجد بعضها أو شيئا منها هناك في تل أبيب.

فماذا تفعلين ياسيّدتي هناك في تل أبيب.!؟ حيث لا آثار للدمار ولا أشلاّ الأطفال ولا جثث الشيوخ والنساء والعجزة.. سيّدتي عودي لتشبعي وترتوي بمناظر قانا الأولى والثانية والثالثه، وصبرا وشاتيلا الأولى والثانية والثالثة في كل من غزة والقدس والضفة ولبنان، سيدتي انت أعلنت للملأ أنك لن تشبعي بالقليل ،

عندما كانت تتصبّب الحمم والعناقيد على أطفال لبنان وغزة، عندما أعلن وزير خارجية مصر نفاد صبره وبجوارك واقفا: «يبدو اننا اجتزنا كل مراحل التحمّل، ويجب ان تتوقف القنابل على الرؤوس»، فكانت برقيتك على نفس المايكروفون (سنحدّد مرحلة التوقف عندما نصل عليها...!)، فإشاراتك كانت واضحه يومذاك: «يعني لم ارتو بعد، فهل من مزيد؟ ولم أشبع بعد، فهل من مزيد..؟

رايس نتركها قليلا تحتسي بجوار عدوكم أولمرت كأس نبيذهما المشترك، لنسأل اخوتنا بفلسطين، هل انتم مصممون ان تطفأوا ظمأ عدوكم الذي لاينطفأ إلا بالدماء، وتسقوه المزيد من دماء اخوانكم بأسطورة قابيل وهابيل، وأيّا كان قابيل منكم أو هابيل،

أيعقل من حماس أو فتح تبنّي قرار إسحاق رابين، الأب الروحي لفكرة جدار الفصل، عندما اطلق حملته الإنتخابية عام 1992 بشعار «نحن هنا، وهم هناك» نعرة سببّت فوز حزب العمل، وتولّيه الرئاسة التي لم تنته الا باغتيال رابين على يد (عامر) اليهودي اليمنى الأصل في نوفمبر 1995،

ولم يطلق (عامر) رصاصته لسواد عيون الفلسطيين والعرب، وإنما أطلقها نكاية بخطة الجدار المسالم في نظر رابين بدل النار الغاشم في نظر عامر، وفئة (عامر) المنضمّ حديثا لصفوف اليهود من باب الإرتزاق، ما هي إلا قطرة في بحر الإرتزاق، وما اكثرها تلك العناصر بين ظهراينا لايهمهم غير مرتباتهم الشهرية يجب ان تنزل في حساباتهم بشكل منتظم «وشو بدّي وأيش بيخصني بفلسطين» وإن كانوا فلسطينيين وفلسطينيات.!.

وليس آخرهم، هو العنصر التركي الجديد: (هاكان إيكنجي) خاطف الطائرة من يونان لأسطنبول احتجاجا على زيارة بابا الفاتيكان لتركيا، وفرح السذّج الكثير منا (وما اكثرهم فينا) الذين اعتبروها رسالة للبابا على تجاوزاته الأخيرة.. لكن العكس صحيح، فما هذا التركي الذي اعتنق المسيحية قريبا، إلا (عامر رابيني) آخر يتظاهر بولائه للفاتيكان، وبالإحتجاج على زيارة ابو الفاتيكان لأم عواصم المساجد العثمانية بتركيا الإسلام.

استعرضه اليوم (التركي الأصل) في الفضاء بالاختطاف، كما استعرضه الأمس (اليمني الأصل) على الأرض برصاصة دموع التماسيح للحائط المبكي، وقد يفعله الكثيرون من بعدهما وعلى غرارهما، وكلاهما غواصان على قارب واحد وفي طابور الإرتزاق وبنعرات: «إكذب إكذب حتى يقال انّك صادق، خالف خالف حتى تُعرف، أقتل أقتل حتى الأبرياء منهم، ليصدقّك القوم ويضمّك رئيس العصابة إلى صفوفه !» .

قبل ايام تلقيت مكالمة على نقالي من الرباط، تقول لي فتاة مغربية: «لماذا انتم تسوّقون نعرات قومياتكم العربية في حدود التلفاز والجرائد؟ وتغلقون الحدود الجغرافية في وجوه أبناء الوطن الواحد.؟ انا اريد ان اعمل في بلادكم، فلا تبعثوا لي الفيزا، وبالمقابل اريد ان اغير مذهبي وقوميتي واعتنق اليهودية ذاهبة إلى إسرائيل، فأحصل هناك بيت وسيارة ووظيفة دون مقابل يذكر.. ومش مطلوب مني إلاّ اشياء بسيطة، مجرد أن أغيّر ديانتي وقوميتي وأصير يهودية إسرائيلية.. وبس»®.!

غريب امر هذه الفتاة، يُطلب منها معادلة استبدال الأديان بالأبدان وتعتبرها معادلة بسيطة، وبالمقابل اريد ان أسألها واسأل كل من يفكر بطريقتها: بعد أن غيّرت ديانتك وقوميتك، وبدأ راتبك ينزل في حسابك كل شهر وبشكل منظم، اعطوك رشاشا مشحونا لتراشقي اطفال فلسطين وغزة، فهل ستفعلينه؟ هل ستراشقينهم بالرصاصات وانت في طريقك إلى مسجدك الجديد الحائط المكبي.؟.

لعلك ايضا ستوافقين فورا على هذه المعادلة الجديدة: (الرصاص بالدماء)، كما وافقت على الأولى(الأديان بالأبدان؟!).. ولكن الابدان لا قيمة لها عند اليهود الا أبدان الصهاينة، فهنيئا لك يا فتاتي وبدنك بين أبدانهم الآن.

ما عرفناه من هؤلاء ومن على غرار مشيتهم نحو الصهيانة للتصهيّن، لعلّهم عاشوا خارج الجدار الفاصل حياة (هابيليّة) فقرروا ان يعيشوا خلف الجدار الفاصل حياة (قابيلية)، ولكن ما لم نعرفه إلى الآن، هو مايجري داخل البيت الفلسطيني من تصرفات لهابيل وقابيل في صفوف حماس وفتح.؟ أيُعقل هابيل فلسطين هو أيضا في طريق تحوله إلى قابيل تل أبيب؟ وهل سيراشق المظلومين رصاصات الغدر وهو أيضا في طريقه للصلاة بمساجد الأقصى أو كنائس القدس.؟

السؤال فقط لأخوتنا الفلسطينيين: أليس من الظلم ان نوجه البنادق نحو قادة فازوا الانتخابات بكل نزاهة وسجلّهم كان حافلا بالتضحيات والجهاد المقدس إلى الأمس القريب، واليوم مُنع عن الشعب الفلسطيني الماء والكلأ من الخارج فنقوم نحن بتصويب البنادق على نفس الشعب من الداخل.؟ لا لشيء إلاّ لأنهم لم يعترفوا بإسرائيل.؟

قابيل إيّاك ان تظلم بريئا، ورصاصتك التي أعلنت بفخر انك ستصوبها في صدور قادة حماس قد تعود إليك نفس الرصاصة دون ان تخرق صدورهم، ودعاء المظلوم قد تتحول إلى لعنة تصيب الظالم، ان لم تصبه مباشرة وعلى الفور، قد أصابت اقرب الناس إليه، ونكبته في أولاده وبناته، وطاردته طول الحياة وطاردت ورثته وأولاده من بعده بين بني قبيلته،

قد ينجو قابيل من انتقام الله في بداية حياته، لكنه قد يصياب بالعمى بنهاية حياته، أو بالشلل في منتصف حياته، أو بالسرطان طيلة حياته، إن الله أعتبر جريمة الظلم من أشد الجرائم، ولعن الظالم في أكثر من سورة، وحذّر القوى ان يدوس على الضعيف، ولعن البطش والاستبداد، فإذا كنت صاحب البندقية، فاذكر الله قبل ان تدوس على الزناد، وراجع ضميرك قبل ان تذبح،

فلا تقتل والسبب فقط لأنك جوعان أو عطشان أو نعسان، ولا تعتمد على وشاية بل حقق مرة وألف مرة قبل ان تعلن عن قتلك لقادة حماس، واعلم ان السيف الذي بيدك لن يدوم، وانه سيجئ يوم قريب أو بعيد تقف فيه انت نفس الموقف، ستقف مظلوما امام ظالم آخر بيده سيف احدّ من سيفك، ارحم الناس وانصفهم يرحمك الله،

أودع الأقساط المتأخرة من رواتبك في بنك الحياة، أنه بنك مؤتمن، إذا أودعت فيه الرحمة والإنصاف والعدل، ستقبضها أضعافا مضاعفة بعد سنين، وإذا أودعت فيه المحبة والمودة والتآخي والتآزر والتصالح بين هابيل وقابيل، ستقبض على أكبر شهادة استثمار في الحياة وفيما بعد الحياة، قد تكون ثمارها جيل جديد من هابيل وهابيل (دون قابيل) وأرباحها القدس والقدس المحررة (دون المحتلّة).

 مع تحياتي لحماس وفتح في الأرض المحتلّة.

تعليقات 1

عبدالهادي - السعودية
شكر وعرفان لهذا المقال
الرائعون كالأحجار الكريمة لانصنعهم ولكن نبحث عنهم لنهنيهم بهذا المقال الجميل .
   0 0
أظهر المزيد